جبهة الشمال إلى أين؟
تلفزيون سوريا -

خرج الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطاب ثان أكد فيه ما جاء في خطابه السابق مثبتا دور المحور في "مساندة" مقاومة حماس في غزة، مشددا على أن المحور غير بعيد عن الحرب من دون أن يعني ذلك أنه يخطط لفتح جبهة عريضة ثانية تحول حزب الله عن دوره "المساند".

تصريحات نصر الله الواضحة كما تحركات إيران وأذرعها الأخرى تؤكد بأن وضعيتهم حساسة جدا بين مصلحة حزب الله وإيران بعدم الانغماس الكلي للحزب لاعتبارات عديدة، على رأسها الخوف من مواجهة الولايات المتحدة بشكل مباشر، وخطها الأحمر بعدم كسر حماس بشكل تام في غزة. لذلك لا يمكن توقع أو فهم ما يحدث، أو يمكن أن يحدث، على الجبهة الشمالية للكيان من دون متابعة الواقع في غزة عن كثب.

في غزة، يبرز مساران متصلان يخوضهما الجانب الإسرائيلي: الأول وهو ضرب مقوّمات الحياة كاملة في شمالي غزة وعلى رأسها المستشفيات والمدارس وهو ما يؤسس اليوم وأمام أعين العالم لعمليات تهجير ممنهجة إلى الجنوب، على أقل تقدير، وحتى لو وضعت الحرب أوزارها فقد لا يكون ذلك كافيا لعودة الناس نظرا للخراب المهول وانعدام سبل الحياة في المنطقة وحاجة إعادة الإعمار إلى اتفاقات سياسية ووقت طويل لتنفيذها.

مسار التقدم في غزة بطيء إذا ما قورن بفارق الإمكانات والدعم بين الطرفين. كذلك عمليات التهجير لم ولن تفضي لإخلاء القطاع

المسار الثاني وهي الأهداف المعلنة والمرتبطة "بالقضاء على حركة حماس"، على اختلاف مسميات ذلك، والتي بدأت محاولة تنفيذها عبر تطويق شمالي غزة ومحاولة التقدم من جبهات عدة.

هذان المساران لن يكونا بالسهولة التي يعتقدها الإسرائيلي وهو ما يعقد الجبهة عليه، فمسار التقدم في غزة بطيء إذا ما قورن بفارق الإمكانات والدعم بين الطرفين. كذلك عمليات التهجير لم ولن تفضي لإخلاء القطاع، بل لتراجع كثافته السكانية نظرا لاكتظاظه وتمسك نسبة كبيرة من أهله بالبقاء في مساكنهم وفي مخيلتهم مشهد عام 1948.

لا يعني ذلك أن الكيان لا يتقدم، بل من الطبيعي أن تتقدم أرتاله، ولكن أبطأ من المتوقع مع خسائر كبيرة وهو ما يدخل الكيان في لعبة التوازنات، وهل سيكون قادرا على الصمود أمام حجم الخسائر الكبير المستمر وطول أمد الحرب وما هي المتغيرات التي يمكن أن تطرأ في قادم الأيام وتغير معها وقائع الميدان؟

هذا التقدم الإسرائيلي يفرض على إيران وقواها رفع مستوى ضرباتها وهو ما كان. فقد توسعت رقعة استهدافات حزب الله مقابل توسع دائرة القصف الإسرائيلي في الجنوب. إضافة، لاستهداف المصالح الأميركية في المنطقة عبر أكثر من 35 هجوما استهدف المواقع الأميركية في سوريا والعراق بينها ست هجمات في يوم واحد. بالمقابل أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، عن شن ضربات جوية على أهداف للحرس الثوري الإيراني وجماعات موالية لإيران شرقي سوريا، مشيرا إلى أنها ردا على استهداف القوات الأميركية في المنطقة.

رفع السقف "المضبوط" حتى الآن يؤكد استراتيجية حزب الله وإيران ولا ينفيها وهي أنها لا تريد الحرب، ولكنها تريد البقاء في عملية الإسناد، وهو ما يفسر عدم إقدام حزب الله على أي عملية تجاه قوات أميركية في لبنان لتأكيده بأنه لا يزال ضمن قواعد اشتباك، ولو "المتدحرجة" من دون وصولها للحرب الشاملة.

أي توسع للحرب يعني ارتفاع منسوب القصف الغربي لسوريا وهو ما يحاول الأسد تجنبه منذ بداية الحرب عبر الابتعاد قدر المستطاع حتى عن التصريح

في المقابل ليس حزب الله وحده من لا يريد الحرب، بل رئيس النظام السوري بشار الأسد كذلك كون سوريا هي خط الإمداد الرئيس لحزب الله، وبالتالي فان أي توسع للحرب يعني ارتفاع منسوب القصف الغربي لسوريا وهو ما يحاول الأسد تجنبه منذ بداية الحرب عبر الابتعاد قدر المستطاع حتى عن التصريح.

عليه، مع ازدياد التضييق على حماس في شمالي غزة سيترفع منسوب الاشتباك في الشمال عبر حزب الله تحديدا نظرا لابتعاد الأسد عن الحرب بشكل شبه كلي وحصره تفكيره بمصلحته السياسية في سوريا على الرغم من أن توسع الحرب لن يعفيه طبعا.

توسع الحرب من جنوبي لبنان كانعكاس لتوسعها في غزة لا يعني فتح حرب شاملة، ولكنه قد يعني كمرحلة، أقل مستوى، عبر تبادل القصف في مناطق أوسع ليشمل القصف كل مناطق الجنوب اللبناني.

أما احتمالات توسع الحرب بقرار إسرائيلي فهذا أيضا ممكن. ففي حال تعثرت إسرائيل في غزة ومرور الوقت فقد تجد لها متنفسا في لبنان، وفي حال حسمت معركتها بسرعة، وهذا مستبعد، قد تجد فيها فرصة للانقضاض على لبنان متسلحة بالدعم الغربي العام لها في هذه الأيام.

إن الوضعية الحالية والمرجحة بالاستمرار تنبئ بتوسع التقدم ببطء على جبهة لبنان وغزة، ولكن دون الحرب المفتوحة ومن دون إغفال باقي السناريوهات، واحتمالية توفر عوامل من خارج الحسابات والسياق والتي قد تقود لتوسع الحرب بغير تخطيط من الفاعلين الرئيسيين.

أمام هذا المشهد الذي ينبئ بارتفاع الضغط باستمرار على غزة مع استمرار إبادة شعبها ومحدودية سقف "حلفاء المحور" لم تأت القمة الاسلامية بأي مقررات عملية خارج سياق الخطاب العالي، وهو ما يعني استمرار إسرائيل في مجازرها وتعميق إيمانها بإمكانية تهجير الفلسطينيين من شمالي غزة على أقل تقدير دون أن يستجلب ذلك أي حراك حقيقي من دعم لغزة وأهلها ولو على المستوى الإنساني.



إقرأ المزيد