استملاك"الديوانية الجوانية".. مأساة حارة في قلب دمشق
تلفزيون سوريا -

لم تتوقف محاولات النظام السوري للاستيلاء على ملكيات السوريين عند منعهم من العودة إلى بيوتهم المدمرة بفعل قصف طائراته خلال سنوات الحرب، أو بحرمانهم من إثبات ملكيتهم لبيوتهم بحجة أنهم معارضون لحكمه أو معتقلون في سجونه، بل وصل الأمر إلى تشريد عائلات كاملة بالاستناد إلى مراسيم الاستحواذ المُطلق التي وضعها حافظ الأسد تحت مسمى "قانون الاستملاك" رقم 20 والتي أتاحت لنظام حزب البعث مصادرة بيوت السوريين وأراضيهم منذ عام 1983 لإقامة المشاريع "ذات النفع العام".

تشريد أهالي الديوانية

تلقى أهالي  منطقة "الديوانية الجوانية" القريبة من شارع بغداد بعد منتصف عام 2022 إنذارات بالجملة وتهديدات بالهدم والإخلاء.

وقد رجّح أحد أصحاب البيوت الذين لا يزالون في المنطقة لموقع تلفزيون سوريا، أن هذه الإنذارات جاءت على خلفية تعديل القانون المالي للوحدات الإدارية رقم 37 لعام 2021 الذي أوعز لأصحاب رخص البناء الذين حصلوا على الرخصة ولم يباشروا بالإعمار، بمهلة قبل سحب الرخصة منه؛ أي إلغائِها في حال عدم الالتزام بالمدة المقررة في تعديل المادة 9 من القانون المشار إليه آنفاً، أو عدم المبادرة بتجديدها خلال المهلة المحددة.

الأمر الذي دفع بالتاجرين المالكين للمقاسم رقم 35 و36 من منطقة تنظيم العدوي (حي الديوانية الجوانية) لإخلاء البيوت من أهاليها وطردهم لتنفيذ المحاضر فيها، في حين بقيت بعض البيوت الواقعة خارج المحضرين مهددة بالإخلاء في أي لحظة.

وبلقاءات لموقع تلفزيون سوريا مع بعض الأهالي الأصليين في المنطقة، تبين أنهم قاموا بشراء الأرض منذ الخمسينيات وبدؤوا بإعمار بيوتهم فوقها قبل صدور قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983 الذي سمح لحكومة النظام بمصادرة أراضيهم ومنحهم تعويضات مالية في مقابل الأراضي المصادرة وفق المادة 4 منه؛ ثمّ تأجيرهم بيوتهم التي عمّروها بأنفسهم مقابل إيجار سنوي يُدفع للمحافظة، لإبقائهم فيها حتى إشعار آخر لكون هذه البيوت واقعة داخل منطقة "التنظيم".

 

في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يتحدث (أبو عُدي) لموقع تلفزيون سوريا عن تفاصيل تحويل أرضهم إلى مَلاك للدولة وإجبارهم على دفع الإيجارات السنوية حتى الوقت الحاضر.

يقول (أبو عدي): "اشترى والدي الأرض منذ عام 1957 وكانت المنطقة آنذاك غير معمورة، وقد بنينا بيوتنا بأنفسنا قبل أن تُصادر أراضينا في الثمانينيات ويمنحونا تعويضاً "بدل الاستملاك" بمقدار عدد الأسهم المُقدّر لكل عقار من قبل محافظة دمشق، وأذكر تماماً أنهم قاموا بدفع 160 ألف ليرة سورية للمالكين بعد حصر الإرث. وقد تركونا في بيوتنا مقابل دفع إيجار سنوي قٌدِّرَ وقتئذ بـ 700 ليرة سورية، أما في الوقت الحالي فأنا أدفع ما قيمته 460 ألف ليرة سورية  كل سنة".

خيارات قاسية ومُفاجئة:

أشار الأهالي في "الديوانية الجوانية" إلى أنه تمّ تخيير أصحاب البيوت المهدومة بخيارات تعسفية وغير مُنصفة من قبل التاجرين.

وبتقصي موقع تلفزيون سوريا لحقيقة الأمر بمراجعة دائرة الاستملاك في محافظة دمشق، أوضح مصدر خاص من داخل الدائرة، أن ملكية المحضر 4206 من المقسم 35 عائدة لمحمد بن حمدي الزعيم، بينما ملكية المحضر 4207 من المقسم 36 عائدة لمحمد خير الحلبي وابنه أنس محمد خير الحلبي.

وقد مانع الأهالي في بداية الأمر ترك بيوتهم، حتى إن بعضهم تعرض للإجبار بالقوة والتهديد على الخروج من منزله للمباشرة بهدمه، ولا سيما أن الخيارات التي واجهوها شكّلت مأساة حقيقية لعائلاتهم؛ الأمر الذي دفع بالمحافظة إلى التدخل بقصد "الإشراف" على عمليات الهدم من جهة، وإجبار التاجر أنس الحلبي على تعويض الأهالي من جهة ثانية، حتى لا يفتعل الأهالي مزيداً من المشكلات في شكل أقرب لـ "العصيان" وفق وصف المصدر المذكور آنفاً.

 

لكن لعبة التاجر بحق الأهالي لم تكن "نظيفة" بحسب شهادات الأهالي؛ إذ قام بتخييرهم بين خيارات "أحلاها مُر" كما يقال، في حين وقفت محافظة دمشق التابعة للنظام على الحياد فيما يخص قيمة التعويضات أو مدى عدالة الخيارات التي كانت على الشكل الآتي:

  • منحهم بيوتاً بديلة في منطقة (طبّالة عين ترما) وهي منطقة تخلو من الخدمات لكونها مُدمّرة ومهجورة خلال سنوات الحرب، وقد قام التاجر أنس الحلبي بشراء بيوت مُتضعضعة فيها وغير صالحة للسكن بأسعار زهيدة من أصحابها من أجل منحها لأهالي الديوانية الجوانية مقابل بيوتهم التي أخلوها للتاجر في المقسم 36.
  • تعويضات مادية مقابل الإخلاء لم تتجاوز في أفضل الحالات 70 مليون ليرة سورية، بينما مُنح آخرون مبلغاً لم يتجاوز 9 ملايين ليرة سورية.

ويعتمد ذلك بحسب مساحة البيت وعدد القصبات التي يشغلها.

وقد تمكّن موقع تلفزيون سوريا من الوصول إلى قصة أحد كبار السن، المدعو (ع.ر.ق)، وهو من الملاكين الأصليين في المنطقة وقد تم هدم بيته مقابل تعويض زهيد. وفي شهادة جاره الذي التقى به موقع تلفزيون سوريا، أوضح أنّ كل الحي يعلم بأنّه "ضل يبكي حتى أصيب بالجلطة ومات".

ويذكر الجار (الذي فضل عدم ذكر اسمه) أن (ع.ر.ق) كان مغبوناً ومهموماً قبل وفاته؛ إذ لم يَهُن عليه ترك الحارة التي عاش فيها طوال حياته، وقد منحه التاجر 25 مليون ليرة سورية وهو مبلغ لا يكفي حتى لسداد إيجارات منزل آخر لسنة واحدة، بينما مُنح ثلاثة أشخاص من الذين يحاصصونه المنزل مبلغ 5 ملايين ليرة سورية لكل منهم.

أي تمّ تقدير قيمة التعويض للمنزل كاملاً من قبل التاجر بمبلغ 40 مليون ليرة سورية فقط لا غير.

وفي شهادة الجار نفسه، يقول: "توقعنا الحصول على تعويضات منطقية تتناسب مع أسعار العقارات والأراضي في الوقت الحالي، وكنت سأقبل بـ 60 مليون ليرة سورية لكل قصبة، لكنني لم أحصل إلا على 45 مليون ليرة سورية مقابل 3 قصبات أملكها؛ أي إنني لم أُحصّل من التاجر قيمة قصبة واحدة فقط!".

  • أما الخيار الثالث للأهالي الذين رفضوا أخذ تعويض زهيد أو بيت لا يصلح للسكن، فهو اللجوء إلى القضاء، كونهم مانعوا الخروج بطريقة "العصيان" إلى حين استخدام القوة والتهديد بحقهم، وعندئذٍ بدأت معاناتهم في المحاكم أملاً بتحصيل مستحقاتهم من التاجر بطريقة مُنصفة.

استطاع موقع تلفزيون سوريا تقصّي الممارسات اللا إنسانية بحق أصحاب البيوت قبل إخلائها، وبشهادة لعدد من الأهالي الذين رووا القصة نفسها، فقد تم إخراج أحد الأطباء (أ.خ) مع والدته المقعدة البالغة من العمر قرابة 90 عاماً، بطريقة همجية بحسب وصفهم.

إذ حضرت لجنة الهدم من البلدية، مع المختار، وعناصر من فرع الجوية برفقة التاجر أنس الحلبي، وبينما كان الطبيب يأكل في بيته اقتحموا المنزل من أجل إجباره ووالدته على الخروج، فأجابهم وفق أقوال الجيران الذين شهدوا الواقعة، بقوله: "اهدموا البيت فوق رأس الحجّة إذا أردتم". وقد بقيت الأم بعد إخراجهما لمدة تزيد على 6 ساعات في الشارع، بينما هدمت الجرافات جزءاً من البيت وأزالوا الباب، ثم استُكمِل الهدم خلال الأسبوعين التاليين.

ولا يزال الطبيب وفق الشهادات، حتى الآن "عالقاً في المحاكم" لتحصيل شيء من حقّه من التاجر.

الجدير بالذكر أن دور المحافظة يقتصر على توجيه إنذارات الإخلاء وإرسال لجان البلدية المعززة بالجرافات والآليات من أجل المباشرة بالهدم.

أما التعويضات فهي بالتفاوض بين التاجر صاحب رخصة البناء والأهالي بشكل مباشر، وما لم يكن بحسبان الأهالي هو تدخل فرع الجوية في عملية الإخلاء، على الرغم من اعتياد السوريين على وسائل ترهيب النظام وأفعال ميليشياته.

مَن هم التجار أصحاب المحضرين؟

تعود ملكية المحضرين اللذين تم إخلاء الأهالي منهما في منطقة الديوانية الجوانية إلى: التاجر محمد حمدي الزعيم الذي يملك المحضر 4206 من المقسم 35، و التاجر المُكنّى بـ الحلبي وهو محمد خير الحلبي الذي يملك المحضر 4207 من المقسم 36، وهو غائب عن الأنظار بحسب أقوال الأهالي، في الوقت الذي تسلم فيه ابنه المدعو (أنس الحلبي) مهمة التفاوض مع الأهالي والتنسيق مع المحافظة وتوطيد العلاقة مع ضباط النظام في المنطقة.

مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا (اشترط عدم ذكر اسمه)، أوضح أن أنس الحلبي على علاقة جيدة مع ضباط من فرع الجوية القريب من الديوانية (قرابة 1.2 كم)، الأمر الذي منحه القدرة على تهديد الأهالي والتسريع بعمليات الهدم.

يقول المصدر: "دفع أنس الحلبي صاحب المحضر 4207، الإتاوات لفرع الجوية من أجل تحصيل الحماية وامتلاك وسيلة ترهيب للأهالي لإجبارهم على الخروج من منازلهم، وهذا ما حصل حقاً".

الجدير بالذكر أنّ محضر أنس الحلبي "المدعوم" قد تمّ إخلاؤه بالكامل بحسب أقوال الأهالي، بينما محضر محمد حمدي الزعيم لا تزال بعض أجزائه قيد الإخلاء.

ومن المقرر الصعود ببناء واحد في كل محضر، من دون معرفة إذا ما كانت هذه الأبنية سكنية أم لاستثمارات أُخرى.

وفي زيارة أخيرة لموقع تلفزيون سوريا بتاريخ 8 نيسان 2024، شاهدنا البدء بتسييج المنطقة المُهدّمة وإغلاق مداخلها من أجل البدء بعمليات الحفر والبناء.

متضررون آخرون "لا ذنب لهم"

لم تُضرّ عمليات الهدم المنفّذة في الديوانية الجوّانية فقط بالأهالي الذين أخلَوا بيوتهم الواقعة ضمن أرض المحضرَين، بل تضرر أصحاب البيوت المجاورة أيضاً من جراء الهدم بالجرافات التي وصفها الأهالي بـ"الجائرة".

وقد فاقم من هذه الأضرار، كون البيوت في المنطقة أشبه بـ"علب الكبريت" الملاصقة لبعضها بعضاً وهي بيوت في معظمها "عربية" غير طابقية، فضلاً عن كون بعضها مبنيّاً من "البلوك" والخشب والتبن، وغير مدعمّة بالتسليح "البيتون المسلّح".

الأمر الذي أدى إلى تضعضع عدد كبير من هذه البيوت ولا سيما القريبة من "ساحة الهدم" كما يسميها الأهالي، وتشقق جدران بعضها وسقوط جدران بعضها الآخر.

في حديثها لموقع تلفزيون سوريا، أوضحت (أم مالك) أن التاجر الحلبي رفض دفع تكاليف الترميم بعد الأذية التي تعرض لها بيتها، وقد تكفلت وبقية الأهالي بدفع تكاليف الترميم.

تقول (أم مالك): "تضررت بيوتنا مسبقاً من تفجير الأزبكية عام 1981، وقد تلاه تفجير بالقرب من مستشفى الحياة عام 2013، لتأتي بعد ذلك عمليات الهدم من لجان البلدية منذ نهاية عام 2022، واكتملت مأساتنا بالزلزال الذي وقع في بداية عام 2023 ليزيد من مخاوفنا، إذ صارت بيوتنا مهددة بالوقوع وغير آمنة".

وذكرت (أم مالك) أن جارتها البالغة من العمر 77 عاماً، تركت منزلها وسكنت عند ابنتها في منطقة أخرى؛ بسبب مخاوفها من تهدم البيت فوق رأسها، ولا سيما بعد سقوط أحد جدران المطبخ بفعل جرافات الهدم، فاضطرت إلى ترميمه على حسابها الخاص رغم أنّ بيتها خارج المحضرين.

يُذكر أن عدداً من الأهالي غضبوا من تضرر بيوتهم الواقعة خارج ساحة الهدم، فاعترضوا لأحد مهندسي المحافظة في أثناء وجوده على سطح أحد المنازل، والذي بدوره حوّل اللوم إليهم قائلاً "ليش ما حكيتوا من الأول؟"، وأخبرهم بأنّ تعاملهم في قضية التعويض على الأضرار يكون مع التاجر ولا علاقة للمحافظة بالأمر.

اقرأ أيضاً

وباء في الحارة

لم يقتصر الضرر الذي عاناه الأهالي على أذية الجرافات بالنعر والكسر والهدم، بل أدى بقاء الأنقاض لأشهر كاملة في المكان إلى تراكم الحجارة والرمل في المصارف الصحية وتسبب بإغلاقها، ما اضطر الأهالي إلى إحضار شركة خاصة لتنظيفها وإعادة فتح المصارف الصحية، متحملين التكاليف بأنفسهم.

تقول (أم مالك): "لقد تركوا الركام والأنقاض في ساحة الهدم دون تنظيف وقد تسبب ذلك بخروج "الخبايا" من الأرض ولا سيما أنها منطقة بيوت عربية، فخرجت علينا الفئران والجرذان والأفاعي... وباء دهم الحارة، دفعنا تكاليف تنظيفه من جيبنا".

أرامل بلا مأوى

التقى موقع تلفزيون سوريا بأرملة طُرِدَت من منزلها رغم أن منزلها واقع خارج المحضر، فيما عدا درج المنزل ضمن حدود المحضر العائد للحلبي.

وقد أقنعها الحلبي بترك منزلها في بداية الأمر مقابل مبلغ 3 ملايين ليرة سورية، وبعد خروجها وعيشها عند الجيران لفترة من الزمن، أخبروها بضرورة مراجعة المحافظة للتقدم بشكوى ولا سيما أن الجزء الأكبر من منزلها خارج المحضر.

وعندئذٍ استخدم التاجر الحلبي قوته، وقام بإحضار اللجان لختم البيت بالشمع الأحمر ومنَعَها من العودة إلى منزلها. وحينما توجه ابن اختها إلى المحافظة لمراجعة الشكوى، تحجج مكتب المحافظة بأن "الملف ضائع"، فلم تستطع عندئذٍ فعل شيء.

تقول الأرملة: "عندما قررت العودة إلى بيتي لكونه واقعاً خارج المحضر، منعوني بحجة أنه لا يحق لي رخصة الترميم، وعندما باشروا الهدم، منعوني حتى من أخذ الأنقاض الباقية من الجزء المهدوم".

وبعد سنة كاملة من مأساة الأرملة، قررت التواصل مع التاجر الحلبي لاستعطافه؛ لكونها لا تملك مأوى ولا مالاً، فوافق المذكور على إعطائها مبلغاً زهيدأ لم يتجاوز 5 ملايين ليرة سورية "على مضض" وبشرط إجبارها على إمضاء ورقة بقبض المبلغ المذكور وأن لا حقّ لها في البيت بعد ذلك.

سرقة بيوت وضمّها للمحضر

وضع التاجر يده على البيت الأكبر في الحي، والذي تصل مساحة أرضه إلى خمس قصبات، وهو يعود لمسنّة من عائلة (شيخ البساتنة)، ووفق شهادة الأهالي التي أدلوا بها لموقع تلفزيون سوريا، فإنّ الابن وضع والدته في مأوى العجزة، وما إن توفّت قام ببيع البيت للتاجر لقاء مبلغ زهيد، وقام الأخير بدوره بضمّ المنزل إلى محضره.

استغلال نقاط الضعف
  • لا تعويضات بحجة "الفرار"

حُرمت (أم محمد) وفق أقوال الأهالي، وهي امرأة من بلدة "قارة" في ريف دمشق، من تحصيل أي تعويض أو سكن بديل؛ بحجة أن ابنها مسافر خارج البلد وفارّ من الخدمة الإلزامية بجيش النظام.

  • الخلافات بين الورثة

كما قام التاجر الحلبي باستغلال الخلافات بين الورثة، من أجل إجبار أحد أطراف الخلاف على إخلاء المنزل مقابل تعويض مالي بخس وإقناعها بتغطيته إيجار منزل آخر لها لمدة سنة كاملة لترك بيتها، إذ كانت أم بشار على خلاف مع بقية الورثة، وفضّلت تحصيل مكسب بسيط. وما إن تركت بيتها حتى هُدِّم وكان من أوائل البيوت المهدومة في الحي، وبذلك لم يحصل بقية الورثة على أي تعويض يُذكر.

ميليشيا الدفاع الوطني في الديوانية

يذكر أهالي الديوانية الجوانية عمليات السلبطة والترهيب التي قام بها أفراد الدفاع الوطني بحق الأهالي خلال سنوات الحرب، والتي تمثلت بفرض الإتاوات وإحضار عائلات عناصر هذه الميليشيا ليسكنوا في بيوت الحي في شكل من أشكال الاستيلاء على البيوت.

يروي (أبو حسان – اسم مستعار) الذي ترك بيته في عام 2015 بعهدة جاره وسافر إلى ألمانيا لاجئاً، ما حصل معه وكيف استباح أحد عناصر ميليشيا الدفاع الوطني بيته وأحضر عائلة من أقاربه لتسكن البيت الفارغ.

يقول أبو حسان بعد أن استطاع موقع تلفزيون سوريا التواصل معه عبر حساب ابنه على فيسبوك: "اتصل بي أحد الجيران وقد أخبرني أن قرابة ثلاثين عنصراً من الدفاع الوطني قد اقتحموا الحارة ومعهم كلب بوليسي واعتقلوا الجار الذين أوصيته سابقاً بالاهتمام بمنزلي في غيابي، وقد وجهوا لي تهمة مفادها أنني مسافر خارج البلد لكوني معارضاً للدولة السورية، علماً أنني لطالما كنت بعيداً عن أي توجه سياسي، وبعد مفاوضات أفرجوا عن الجار المعتقل مقابل إعطائهم المنزل ليتصرفوا به كيفما شاؤوا وقد عرض عليّ أحدهم مبلغاً زهيداً من المال آنذاك".

يُذكر أن ميليشيا الدفاع الوطني كانت تقيم مكتباً لها في حي الديوانية الجوانية بالقرب من مدرسة ابن الأثير، وقد عمدت خلال سنوات الحرب إلى ترهيب الأهالي وممارسة الأعمال التشبيحية عليهم. ولا تزال لافتة المكتب التي تحمل شعار الدفاع الوطني في مكانها حتى الآن رغم إغلاقه.

اقرأ أيضاً

هاتف الثريا وحارة الأرناؤوط

لا تغيب عن ذاكرة الأهالي في منطقة العدوي وشارع بغداد، قصة اقتحام حارة الأرناؤوط في حي الديوانية البرانية واعتقال أكثر من 20 شخصاً و3 منهم من عائلة واحدة.

يعود تاريخ هذه الواقعة إلى نهاية عام 2012، وذلك بحجة أن مخابرات النظام التقطت إشارة لهاتف ثريا في الحارة المذكورة.

لكن عدداً من الأهالي الذين يتداولون القصة حتى الوقت الحالي يرجّحون وفق شهادتهم بأن الأمر كان لُعبة من النظام لعدة أسباب؛ كأن يكون ذلك "فركة أذن" للأهالي بسبب المخاوف من مشاركتهم في الانتفاضة السورية ولا سيما أنهم في منطقة حيوية وسط البلد وقريبة من أحد المربعات الأمنية، أو أنها كانت طريقة لإجبار الأهالي على دفع الفدية مقابل "إخلاء السبيل"؛ وهو ما حصل فعلاً مع بعض الشبان المعتقلين الذين خرجوا بعد دفع المال، إذ تراوحت مدة اعتقال بعضهم بين عدة أشهر وسنة، بينما وصلت مدة اعتقال بعضهم الآخر إلى 7 سنوات.

ما مصير البقية؟

يتساءل بقية الأهالي في حي الديوانية الجوانية والذين لم تتعرض بيوتهم للهدم حتى الآن حول إذا ما كانوا سيتعرضون لما تعرّض له جيرانهم من إنذارات الإخلاء والخيارات القاسية.

ويعيش معظمهم قلقاً مضاعفاً لا بسبب خسارة مأواهم فقط، بل لكون هذه البيوت ترتبط بذكرياتهم عن بيت العائلة والحارة الأم والطفولة.

ولم يتوانَ الأهالي الذين التقاهم موقع تلفزيون سوريا في التساؤل عن قيمة التعويضات وإذا ما كان هناك سكن بديل ضمن مدينة دمشق لا في ضواحيها أو ريفها.

في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، يقول (أبو عدي): "لقد ضاعفت المحافظة الإيجار السنوي الذي تأخذه منا بحجّة أن مساحة البيت 110 أمتار، فهل سيكون البديل -في حال قاموا بتعويضنا- مجزياً ومُضاعفاً أيضاً عندما يأمروننا بالإخلاء؟ أم سيمنحوننا سكناً بديلاً يأخذون منا ثمنه على دفعات كما حصل مع أهالي مشروع ماروتا سيتي، فنعيش تحت وطأة الأقساط حتى الموت؟".



إقرأ المزيد