موقع الحل السوري الأخباري - 10/8/2024 4:13:09 PM - GMT (+2 )
ثمة دلالات وإشارات هامة ولافتة، تعكسها حالة السيولة الميدانية التي تشهدها جغرافيا الشرق الأوسط كنتيجة مباشرة للعمليات الميدانية، في غزة، منذ العام المنصرم، ودخول الساحة اللبنانية خلال الأسابيع الأخيرة كمسرح أحداث جديد، فضلا عن ارتفاع منسوب المخاطر الجيوستراتيجية خشية انزلاق الأقدام نحو حرب شاملة بين إسرائيل وإيران، وذلك وسط ترقب دولي لحجم وشكل رد تل أبيب على هجوم طهران الأخير.
لذا، فمن المرجح أن تشهد المنطقة نشاطا إضافيا تتضاعف فيه مخاطر تنظيم “داعش”، والذي قد يتحرك في المحيط الجغرافي لتلك النقاط الساخنة سيما في العراق وسوريا عبر هجمات مكثفة، وعمليات مسلحة خاصة أن التنظيم خلال شهور العام الجاري، تبني عددا كبيرا من العمليات مقارنة بما نفذه في فترات سابقة.
صعود “داعش” و”القاعدة”ارتفعت وتيرة العمليات الهجومية التي نفذتها التنظيمات المسلحة، ولا سيما تنظيم “داعش” الإرهابي ضد القواعد والمقرات العسكرية التابعة لقوات التحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة في كل من العراق وسوريا، ذلك بالتزامن مع حالة السيولة الميدانية والعملياتية في الشرق الأوسط على خلفية الحرب في غزة ولبنان. فضلا عن تنفيذ “الحوثيين” في اليمن عديد الهجمات على السفن التجارية في البحر الأحمر، كتهديد مباشر لممر مائي هام، مما يربط تعاظم ذلك النشاط مع ارتفاع التوترات، وتوظيف ضعف بنية السلطة واستغلال الفراغ الناتج عنه.
يبدو من قراءة الأحداث أن التنظيم الإرهابي يبتغي من وراء تلك العمليات الظهور مجددا ونشر هجماته ومخططاته عبر إعادة بث نشاط خلاياه في الشرق الأوسط، بصورة ملحوظة، بغية الوصول لأقصى نقطة في سلم الدعاية، وبلوغ أهدافه من تموضع وتمظهر جديدين يساعدانه في استقطاب عناصر لتنظيمه وديمومة حضوره وتأثيره في المجال العام، وتقويض الإحساس بنهاية التنظيم.
إذاً، من الصعوبة بمكان خلق صورة متفائلة وإيجابية نحو تقويض مجال عمل التنظيمات الإرهابية، خاصة في جغرافيا الشرق الأوسط مع حالة السيولة وعدم اليقين في المنطقة وانشغال القوى الدولية سيما الولايات المتحدة الأميركية بالوضع في غزة ولبنان واليمن، ومسار الوصول لصيغة تضمن وقف إطلاق النار وتسوية الأمر على نحو سياسي، يكفل الحد الأدنى من الاستقرار في مسرح الأحداث، فضلا عن كون تلك الفترة مرحلة استحقاق انتخابي في واشنطن، وترقب الرئيس القادم ورؤيته للمشهد في الشرق الأوسط.
في هذا السياق يشير جاسم محمد مدير “المركز الأوروبي” لدراسات مكافحة الإرهاب، بقوله إنه “رغم وجود أنشطة واسعة لكل من تنظيم داعش، وكذلك تنظيم القاعدة في الجغرافيا الإفريقية سواء غرب وشرق إفريقيا، لكنني أجد بعض نقاط الجغرافيا الساخنة في الشرق الأوسط من المناطق الأكثر ترجيحا لنشاط تنظيم داعش ثم القاعدة”.
المناطق المرجحة لتفشي “داعش” و”القاعدة”يلفت مدير “المركز الأوروبي” لدراسات مكافحة الإرهاب في تصريحاته لـ”الحل نت”، إلى أن أكثر المناطق ترجيحا لتلك الأنشطة ستكون مناطق في سوريا وخاصة البادية، إذ تعتبر منطقة خصبة بسبب التضاريس والجغرافيا وكذلك ضعف الحوكمة الموجودة في سوريا. هذه المؤشرات جميعها تشي بأن تنظيم “داعش” في تموضعه الحالي سيكون حاضرا بتنفيذ بعض العمليات في البادية السورية وكذلك في أطراف أخرى من سوريا.
من ثم، كافة العوامل والاعتبارات التي جرت خلال العام الفائت ستضع مناطق الشرق الأوسط الأكثر تهيئة لعمليات نشطة لتنظيم “داعش” في الوقت الحاضر وربما في المستقبل القريب. يتابع جاسم محمد قائلا إن العراق باعتباره نطقة انطلاق هذا التنظيم، فيعمل بنشاط من خلال المنطقة الغربية حيث أطراف محافظة كركوك ووادي حمرين، وهذه المناطق بدت من ملاذات تنظيم “داعش” خلال الفترة الأخيرة.
الإجراءات الإسلاموية المتطرفة لتنظيمي “داعش” و”القاعدة” تقرأ جيدا التوترات الجيوستراتيجية، ولذلك تعرف استغلال وتوظيف ذلك وما ينتج عنه من فراغ السلطة وضعف الحوكمة.
أما إذا تحدثنا عن أفغانستان، وما زال الحديث للمصدر ذاته، تبقى أيضا الأخيرة من المناطق المرجحة في آسيا، ويردف: “ولا ننسى ولاية خراسان حيث لها تأثير كبير ولديها قدرة نحو تنفيذ عمليات إرهابية”.
أما تنظيم “القاعدة”، فهو ما زال موجودا في أفغانستان، وهنالك تنسيق وتعاون مع حركة “طالبان”، وربما تراجع تنظيم “القاعدة” في هذه الفترة يعود لأسباب سياسية تتعلق بظروف حركة “طالبان”.
ويتعين النظر إلى أن التنظيم الإرهابي له فرع بمنطقة إدلب في شمال سوريا. في المحصلة، تبقى هذه المناطق من الجغرافيا النشطة أو المرجحة تشهد نشاطات تنظيم “داعش” وتنظيم “القاعدة” بالتوازي مع ما يحصل الآن في منطقة غرب وشرق إفريقيا وبعموم القارة السمراء كلها.
يشير مدير “المركز الأوروبي” لدراسات مكافحة الإرهاب، إلى أن الإجراءات الإسلاموية المتطرفة لتنظيمي “داعش” و”القاعدة” تقرأ جيدا التوترات الجيوستراتيجية، ولذلك تعرف استغلال وتوظيف ذلك وما ينتج عنه من فراغ السلطة وضعف الحوكمة. ومن خلال ذلك تعرف يقينا النقاط المهيئة للنشاط في الأفق المنظور سيما العراق وسوريا. ومن الأهمية بمكان ملاحظة ساحة لافتة أخرى مثل ليبيا على خلفية عدم الاستقرار السياسي.
كمين لـ”داعش” في العراقمطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، أكد بيان للجيش العراقي أن أربعة جنود قتلوا، وأصيب ثلاثة آخرون، في كمين نصبه عناصر من تنظيم “داعش” لرتل عسكري قرب مدينة كركوك النفطية شمال البلاد، و”نُصب الكمين في منطقة ريفية جنوب غربي كركوك، بعد سنوات من إعلان العراق النصر النهائي على التنظيم في العام 2017″، بحسب ما نقلت وكالة “رويترز” للأنباء.
ومن جهته، أعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم، وقال في بيان على منصة “تلغرام”، إنه نصب كمينا لدورية للجيش باستخدام أسلحة أوتوماتيكية وقنابل يدوية.
وفي سياق مواز، قال “المرصد السوري” لحقوق الإنسان إن مقاتلات حربية روسية نفذت ثلاث غارات جوية على مخابئ يتوارى فيها عناصر “داعش” في بادية تدمر بريف حمص الشرقي. حيث تنشط عمليات تمشيط في جغرافيا البادية السورية ضد تنظيم “داعش” على خلفية اشتباكات مسلحة جرت ضد تنظيم “داعش” على محور جبل العمور في بادية حمص الشرقية بالإضافة إلى محاور في بادية دير الزور.
جغرافيا بديلةبدوره يشير الخبير الأمني، عمر الرداد، بقوله إنه من الواضح بعد سنوات من المواجهة مع مراكز الثقل التنظيمي والمادي لتنظيمي “القاعدة” و”داعش” في العراق وسوريا بعد إنهاء “القاعدة” في أفغانستان وباكستان وبعد نجاح التحالف الدولي بالقضاء على أربعة من خلفاء تنظيم “داعش” وتفكيك التنظيم وانهياره، ورغم عدم إنهاء خطر التنظيمين في سوريا والعراق، يطرح الآن وعلى نطاق واسع سؤال الجغرافيا والنطاقات التي ستكون مراكز بديلة للتنظيمين.
لذا يذهب الخبير الاستراتيجي والعسكري عمر الرداد في حديثه لـ”الحل نت” بقوله: “في تقديري ساحات الفعل العسكري والتنظيمي للتنظيمين في الآفاق الزمنية القادمة ستتركز في المناطق التالية؛ أولا: سوريا والعراق، إذ من المؤكد أن التنظيمين، خاصة داعش ما زال يحتفظ بقدرات تنظيمية وعسكرية في البلدين، وتحديدا في منطقة البادية السورية العراقية التي توفر مساحات واسعة يتنقل التنظيم من خلالها بحرية وسهولة في ظل وجود دولة سورية هشة، وأخرى عراقية لا تقل عن الأولى هشاشة وضعفا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تنظيم داعش هو الأقوى مقارنة بالقاعدة التي تحولت إلى جبهة النصرة ثم هيئة تحرير الشام بسوريا، بالإضافة إلى علاقات ما زالت توصف بالغامضة، تربط بين داعش وكل من إيران، بالإضافة إلى تركيا، وتصل هذا الغموض أحيانا لمستويات داخل القيادة السورية نفسها”.
ثانيا، إيران وأفغانستان ودول آسيا الوسطى، حيث يعد الإقليم الذي يشمل دول، مثل باكستان، أفغانستان، إيران، بالاضافة للدول الإسلامية التابعة للاتحاد السوفيتي سابقا، أحد أبرز الساحات المرشحة لتمركزات “داعش” و”القاعدة”، لا سيما أفغانستان، فهناك تنظيمات وعناصر قيادية في تنظيمات تتبع “للقاعدة” و”داعش”، كما أن حجم الحروب والصراعات القبلية والإثنية في هذه الأقاليم تشكل بيئة خصبة لهما، ويذكر هنا “تنظيم الخراسانيين” الذي يتخذ من شمال شرق أفغانستان مقرا لنشاطاته، فيما لا زالت “القاعدة” و”داعش” موجودتين في جنوب إيران وفي أفغانستان بالإضافة للدول الإسلامية.
ثالثا، الساحة الإفريقية، وبما يشمل دول شمال إفريقيا، ليبيا، جنوب الجزائر، وصولا إلى مناطق في الصحراء الكبرى تشاد ومالي، هذا بالإضافة للقرن الإفريقي في الصومال، وما يعرف بدول الساحل في غرب إفريقيا، بما فيها نيجيريا، ويشار هنا إلى أن التنظيمات التابعة “للقاعدة” تشكل قوة أكبر منها كما هو حال “داعش”، وهذه التنظيمات ربما يتعزز نشاطها بمرجعية تحولات سياسية، أبرزها الطموحات الروسية من خلال “فاغنر”، لتكون بديلا للقوات الفرنسية والغربية التي أخلت قواعدها في كثير من هذه الدول، فيما يشكل الانقلابات العسكرية وعدم الاستقرار مع غياب الحوكمة بالتزامن مع أوضاع اقتصادية صعبة وصراعات قبلية مداخل “للقاعدة” لاتخاذ بعض الدول الإفريقية قواعد رئيسة لها.
إقرأ المزيد