مخرج فرنسي لتلفزيون سوريا: صنعت فيلماً لكسر الصورة النمطية عن اللاجئين السوريين
تلفزيون سوريا -

يحاول مخرج فيلم "حتى لو ذهبت إلى القمر"، الفرنسي لوران رودريغيز أن يجيب عن تساؤلات كثيرة تواجه اللاجئين والمهاجرين إلى فرنسا وبالأخص اللاجئين السوريين الذين يعدون على رأس قائمة الوافدين إلى القارة الأوروبية.

يتتبع الفيلم الوثائقي الصادر حديثاً، قصص أربعة طلاب سوريين لاجئين على مدار 6 سنوات. في المنزل الريفي لصديقهم والأستاذ بجامعة باريس الأولى، يتذكرون تعلمهم للغة الفرنسية بعد مجيئهم إلى فرنسا، والرموز والاستخدامات الجديدة في "بلدهم الجديد". في أجواء دافئة، وفي أثناء تحضير وجبات طعام وأكلات شعبية من تراثهم السوري وأغان عربية، مركزاً على أسئلة المنفى والهوية والحرية.

ويعمل رودريغيز صانع أفلام ومصور سينمائي وموزع موسيقي، ومن أبرز أعماله "مغول: صعود جنكيز خان" (2007)، و"غنِّ أولاً قبل امتحان البكالوريا" (2014، وغيرها.

لوران رودريغيز

لعل أكثر الأسئلة التي واجهت الروائي التشيكي الفرنسي بعد أن هاجر من وطنه الأم إلى فرنسا عام 1975 هو سؤال الهوية، وقد تمحورت معظم أعمال الروائي الشهير حول الهوية والذاكرة والسلطة ومواجهة الشمولية منشغلاً بالإنسان وما يتعرض له. ومن خلال الفيلم، يبدو أن المخرج رودريغيز الذي يعود لأصول إسبانية ومن عائلة مهاجرة يحاول أن يجيب عن هذه التساؤلات أيضاً، في ملف إنساني شائك كالملف السوري والذي فقد عشرات الآلاف من أبنائها أرواحهم وهم في طريق اللجوء هرباً من الموت وبحثاً عن وطن آمن.

موقع تلفزيون سوريا، طرح عدداً من الأسئلة على مخرج الفيلم لوران رودريغيز، وهي كالتالي:

ما الذي يدفع مخرجاً فرنسياً للاهتمام بصناعة فيلم عن اللاجئين السوريين في فرنسا؟ 

مثل العديد من الناس في فرنسا، الهجرة جزء من تاريخ عائلتي. في الواقع، أنا ابن لاجئ. اضطر جدي ووالدي إلى الفرار من ديكتاتورية إسبانيا في الستينيات. لذا، كنت دائماً أشعر بالاهتمام بقضية الهجرة. وُلدت في فرنسا، لكن لدي بلدان وثقافتان، وهو جزء مهم من هويتي. في عام 2015، كنا نرى فقط صور الحرب والناس الفارين منها. أردت أن أظهر ما يحدث بعد ذلك. الناس لا يمشون للأبد، ففي لحظة ما، يتوقفون ويستقرون في مكان ما ويحاولون البدء من جديد. والدي لم يخبرني كثيراً عن شعوره عندما وصل إلى فرنسا، لكني أعتقد أنه كان يشعر بما شعر به سارة وحسن وغياث وخيري (أبطال الفيلم).

ما الرسالة التي أردت إيصالها من خلال الفيلم؟

أكثر من رسالة، كان لدي أسئلة: هل سيظلون كما كانوا في سوريا أم سيصبحون أشخاصاً جدداً؟ ما هو تأثير المنفى على الهوية؟ هناك الكثير من الصور النمطية عن المهاجرين بشكل عام، وعن اللاجئين بشكل خاص. غالباً ما تسمع عن الأرقام والبيانات العامة. عندما تتحدث الأخبار عن ملايين الأشخاص، فإنها تخفي الوجوه وتخفي البشر وقصصهم. لكن كما قالت سارة في الفيلم: "إنه ليس لديها هوية". أردت أن أروي قصصاً شخصية وحميمة، وأردت أن أعطي المشاهد فرصة "لمقابلة" أربعة منهم.

لماذا كان الفيلم باللغة الفرنسية وليس بلغة اللاجئين أنفسهم؟

صورت نحو 140 ساعة على مدار 6 سنوات. كانت محادثاتنا الأولى باللغة الإنجليزية وسجلت بعض المقاطع باللغة العربية. لكنهم تعلموا الفرنسية بسرعة وأرادوا التعبير عن أنفسهم بلغة البلد الذي يعيشون فيه. وبالفعل، إنه فيلم وثائقي، وفي معظم الأوقات كانوا مع أشخاص فرنسيين: في الجامعة، في منزل إيمانويل.

اللغة هي ثقافة. وكانت جزءاً مهماً من القصة. الحديث والتفكير والحلم والعيش بلغة مختلفة يغير الطريقة التي تشعر بها ومن تكون. حسن شعر وكأنه شخصان: سوري وفرنسي. تحدثهم بالفرنسية يظهر العملية التي يمر بها اللاجئون.

بعد العمل مع اللاجئين السوريين في الفيلم، كيف وجدتهم؟ هل تعتقد أنهم سيتمكنون من الاندماج بسهولة في البلد الجديد؟

التقيت بهم منذ 8 سنوات ولدينا علاقة قوية جداً. أنا معجب جداً بقدرتهم على التفكير في حالتهم وتحليل ما يعيشونه وما يشعرون به. بالنسبة لي، يظهر الفيلم الرحلة الفريدة لشباب أُجبروا على ترك منازلهم والبدء من جديد من الصفر. في بداية الفيلم، كانوا لاجئين، وفي نهايته، أصبحوا أشخاصاً في المنفى. سيظل لديهم جزءان في هويتهم إلى الأبد. فهم ليسوا فرنسيين بالكامل وليسوا سوريين بالكامل. كما قالت سارة، إنهم في المنتصف. بطريقة ما، هم بالفعل مندمجون في فرنسا. لديهم شهادات، وظائف، ذكريات، أصدقاء، تجارب... أعتقد أنه ليس من السهل أبدًا العيش في بلد جديد".

مع صعود اليمين المتطرف عالمياً، هل تعتقد أن أفلاماً مثل هذه يمكن أن تحدث تأثيراً إنسانياً؟

آمل ذلك! حاولت أن أجعل المشاهد يشعر كما لو أنه قضى عطلة نهاية الأسبوع معهم. أردت له أن يتعرف على أربعة أشخاص وقصصهم. لقد حصلت بالفعل على بعض ردود الفعل الجميلة بعد العروض. على سبيل المثال، قالت لي شابة إن الفيلم ساعدها على فهم والدها الذي جاء منذ فترة طويلة من تشيلي. الناس يتأثرون بقصصهم وآرائهم. 

حاولت أن أمنح سارة وحسن وغياث وخيري مساحة للتعبير عن مشاعرهم تجاه هذه التجربة الخاصة جداً. كانت إحدى أفكار الفيلم أن يظهر أن كل فرد فريد من نوعه. لا يمكنك الحديث عن الفرنسيين أو السوريين أو النساء بشكل عام.. كل شخص هو حالة فريدة. إذا استطاع الفيلم أن يساهم حتى ولو قليلاً في تغيير العقليات، فسأكون قد نجحت.

ناقش ميلان كونديرا، الذي لجأ إلى فرنسا وأصبح أحد أبرز روائييها، مفهوم الهوية بشكل موسع. أنت أيضاً ركزت على الهوية بشكل كبير في الفيلم، لماذا؟

هذه هي نقطة الفيلم. ربما ركزت عليها لأنها عالمية. في مرحلة ما، يسأل كل إنسان نفسه: "من أنا؟ هل أنتمي إلى هنا؟ ماذا يعني أن أكون مواطنًا؟ هل أنا نتاج تاريخ عائلتي؟ تاريخ بلدي؟ كيف أقدم نفسي للآخرين؟". اليوم، أعيش بالقرب من المدينة التي اضطر والدي إلى مغادرتها منذ زمن طويل. لا تزال لدي هذه الأسئلة عن هويتي. وأعتقد أن الجميع يمر بهذه التساؤلات بطريقة أو بأخرى.

اختيارك للألوان الرمادية كان بارزاً في الفيلم وصوره، وكأنه يشير إلى استعارة معينة.. ما هي؟

استخدام الأبيض والأسود والرسوم المتحركة كان الطريقة التي اخترتها للتعبير عن كيف يؤثر الوقت على إدراكك وذكرياتك. المشاهد بالأبيض والأسود تظهر ماضيهم القريب منذ وصولهم إلى فرنسا. أما المشاهد المتحركة، فتعكس ماضيهم في سوريا. مع مرور الوقت، تصبح كل ذكرى هكذا. تفقد التفاصيل. تصبح الصور مشوشة بعض الشيء. أردت أن أعرض عملية الترسيب التي تشكل ذاكرتنا.

أخيراً، الموسيقا والأغاني التي ظهرت في الفيلم أثارت الحنين لدى المشاهدين، ربما لأنني سوري.. ماذا عنك كمخرج لا يفهم معاني الكلمات - هل كانت الموسيقا كافية؟

أولاً، كنت أفهم معنى الكلمات. خيري وغياث ترجما لي الكلمات. سُئلت عدة مرات لماذا لم أضع ترجمة. اخترت عدم ذلك لكي أضع المشاهد في الوضع الذي يصفه الشخصيات قليلاً. قد تشعر بالنية من دون أن تفهم الكلمات. الموسيقا مهمة جداً بالنسبة لي. خيري ومحمد نجم قاما بتأليفها معاً. أردتها أن تحمل طابع الحنين، ولكن تحمل الطاقة والأمل معاً.

 

 

 

 

 



إقرأ المزيد