استهداف فروع “مؤسسة القرض الحسن” بلبنان: هل تنهي “دويلة حزب الله”؟
موقع الحل السوري الأخباري -

توسع إسرائيل من ضرباتها التي تكشف عن خطط “محددة” و”عالية الدقة” ضد “حزب الله” في لبنان، حيث إن الأهداف التي تم القضاء عليها، والاستمرار في تحقيق “بنك الأهداف”، يتخطى فكرة “الحساب” على هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، إلى تقويض نفوذ الميلشيا المدعومة من طهران وإنهاء سيطرتها السياسية والأمنية والعسكرية، فالبنية التحتية العسكرية التي تواصل القوات الإسرائيلية استهدافها وتدميرها في عدة مناطق جنوبية، فضلا عن الضربات القاسية على المنطقة الحدودية بين سوريا ولبنان والمعبر الحدودي “المصنع” الذي كان يتم استغلاله في تهريب السلاح والمقاتلين، أضيف لها ضرب جمعية “مؤسسة القرض الحسن”، وهي أحد أهم المصارف المالية للحزب.

فبالتوازي، تحقق ضربات إسرائيل للأجسام العسكرية والقوى الميدانية والشخصيات القيادية جنبا إلى جنب مع الأجسام المالية، أهدافا مباشرة نحو القضاء على هياكل الحزب الأمنية والعسكرية والاقتصادية بحيث لا تتوافر لها أي قدرة على الاضطلاع بمهامها السابقة في تشكيل تهديدات على الجبهة الشمالية لإسرائيل، وإرغامها على فك الارتباط بغزة، وإنها فكرة “جبهات الإسناد”.

إضعاف “حزب الله” وتغيير موازين القوى

كما أن هناك رغبة إسرائيلية لأن تكون المرحلة الراهنة هي بداية “تغيير الوضع في الشرق الأوسط” كما سبق وصرحت تل أبيب عقب اغتيال زعيم الحزب حسن نصرالله، بما يعني تغيير معادلات وموازين القوى، وبالتالي، فضرب البنى العسكرية والاقتصادية معا، تستدعي بالضرورة انهيار متواصل للهياكل الحزبية ومراكمة الأعباء على القادة كما طهران، بحيث تتضاعف فرص فشل استعادة قدراتها وبناء إمكاناتها من جديد.

إسرائيل تستهدف مؤسسات “القرض الحسن”- “وكالات”

هذا فضلا عن تكبد الحواضن الاجتماعية الشيعية مرارة الهزيمة للذراع المالية الأقوى للحزب اللبناني المدعوم من إيران، فلم تعد هناك وسيلة للاحتماء.

مع ندرة وشحّ المعلومات عن اقتصاديات “حزب الله” كغيره من شؤون الجماعة الميلشياوية الطائفية المدعومة من طهران، فلا تبدو هناك معلومات موثقة حول آلية عمل هذه الذراع المالية الأقوى، وطرق إدارتها المالية لاقتصادياتها والاستفادة من أموال المودعين وفي أي مسار، لا سيما أن “دويلة” الحزب اللبناني كانت تتمتع بامتيازات مالية من جراء الدعم الإيراني بينما يعاني اقتصاد لبنان من أزمات عنيفة لامست حدود الإفلاس، فضلا عن الفساد والتضخم وصل لدرجة ضياع ونهب أموال المودعين في المصارف الرسمية الحكومية.

وفي ظل هذا التباين الاقتصادي نتيجة وجود اقتصاد آخر لا يخضع للدولة إنما هو يتمتع بحماية السلاح غير الشرعي والمتفلت، فإن نسبة ليست بالقليلة من المتعاملين مع مصارف “حزب الله” ستعاني جراء تلك الضربة والتي ستؤثر على اقتصادياتها التي حتما تعتمد عليها في التسليح وأنشطتها العسكرية والقتالية.

هدف مؤسسات “القرض الحسن”

وليس من الواضح حجم الخسائر التي سيتكبدها المودعين بالأرقام الموثقة، لكن حسن نصرالله سبق له وصرح بأن هناك قرابة المليون وثمانمئة ألف يستفيد من القروض والخدمات المصرفية المالية لـ”مؤسسة القرض الحسن” ووصلت لنحو ثلاثة مليارات دولار، وهي تحصل على غطاءها المالي من طهران. 

فيما تزعم المؤسسة المالية اعتمادها على “الصيغة الإسلامية” لعمل البنوك الخاصة، حيث توفر قروض مالية شحيحة وصغيرة بالدولار من دون فوائد، لكنها تأخذ في مقابل ذلك مصوغات من الذهب باعتبارها ضمانة للحصول على خمسة آلاف دولار، الأمر الذي يثير تساؤلات عديدة عن وفرة وسيولة العملة الأجنبية الصعبة بينما الدولة والبنوك الأخرى لديها عجز هائل في توفير ذلك وفقدان الليرة اللبنانية أكثر من 95 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، وانحسار أو تراجع الاحتياطيات من العملة الأجنبية لأقل من 10 مليارات دولار.

وفي تقرير لـ”معهد واشنطن“، أوضحت الزميلة الأقد في المعهد الأميركية، حنين غدار، أنه حين بدأت المصارف اللبنانية في وضع حد للسحوبات بالدولار الأميركي في تشرين الأول/أكتوبر 2019 وفرض ضوابط غير رسمية على رؤوس الأموال، قرر العديد من المودّعين سحب أكبر قدر ممكن من الدولارات. 

ومنذ ذلك الحين، سحب اللبنانيون من المصارف ما يقدَّر بنحو 6 مليارات دولار نقدا، وسعى “حزب الله” إلى الاستفادة من هذا الاحتياطي النقدي العام غير الرسمي. ومن جملة التكتيكات التي لجأ إليها، شجّع الشعب على استخدام مؤسساته المالية لتبادل أموالهم وإيداعها – لا سيما “مؤسسة القرض الحسن” التي صنفتها الولايات المتحدة على قائمة الإرهاب وأصبحت مركز الصيرفة الرئيسي لـ “حزب الله” والبديل عن المصارف لناخبيه الشيعة.

إن الروابط بالفعل بين “حزب الله” وشبكات المستفيدين منه سواء منظمة أو أفراد بدأت تضعف بالفعل- “وكالات”

وتابعت في تقريرها: “(حزب الله) ينشئ أنظمة مالية وأنظمة رعاية اجتماعية موازية لإدارة الأزمة الحالية”، وفي الآونة الأخيرة، قامت “مؤسسة القرض الحسن” بتركيب أجهزة الصراف الآلي في فروعها في الضاحية الجنوبية لبيروت، مما سمح لسكان المنطقة، وفقا لبعض التقارير، باستلام الدفعات النقدية والقروض من “حزب الله” دون القيود المفروضة في المصارف الأخرى. وهذه المؤسسة ليست مصرفا أو مؤسسة مالية، لذا فهي لا تتلقى الأموال من “المصرف المركزي اللبناني” أو من أي جهاز رسمي آخر من أجهزة الدولة. 

ويسمح لها هذا الترتيب بوضع قواعدها الخاصة، وعقد صفقاتها الخاصة، إضافةً إلى تعزيز اقتصاد “حزب الله” ونظامه المالي الموازيين. وفي المستقبل، يأمل “حزب الله” في استعادة إمكانية الوصول إلى العملة الصعبة، لا سيما المبالغ النقدية الكبيرة التي كانت تصل من طهران قبل العقوبات. وإذا حدث ذلك ومتى يحدث، يهدف “حزب الله” إلى أن يكون الطرف الوحيد في لبنان الذي يملك مبالغ كبيرة من الدولارات الأميركية، وأن يحوّل بالتالي “مؤسسة القرض الحسن” إلى النظام المصرفي الوحيد الصالح في البلاد، وفق حنين غدار.

كبح نفوذ “حزب الله”

يقول محلل سياسي ومعارض شيعي (فضل عدم الكشف عن اسمه)، إن استهداف المؤسسات المالية في لبنان لـ”حزب الله”، لا يقل أهمية عن تقويض البنية التحتية العسكرية، موضحا لـ”الحل نت”، أن الأذرع المالية لها أدوار معقدة داخل التنظيمات المسلحة المماثلة للحزب، والتي تعتمد على شبكات مالية مختلفة، معلنة وسرية، لتمويل أنشطتها العسكرية المسلحة، وتوفير النفقات للسلاح ودعم المقاتلين في جبهات القتال المنتشرين بحسب الأجندة الإيرانية، في سوريا واليمن والعراق كما في لبنان.

إن الروابط بالفعل بين “حزب الله” وشبكات المستفيدين منه سواء منظمة أو أفراد بدأت تضعف بالفعل، حيث إن الهواجس من ضياع المدخرات بات يفرض نفسه على الجميع.

ووفق المصدر ذاته، فإن ضربة جمعية “مؤسسة القرض الحسن”، سوف تكبح من نفوذ “حزب الله” وتغلغله بالمجتمع الشيعي بوجه خاص واللبناني بوجه عام، وستخلق توترات مع مخاوف الناس المتزايدة من التهديدات التي يتلقاها “حزب الله”، وخشيتهم الطبيعية من فقدان مدخراتهم. مؤكدا أن الهدف يبدأ من ضرورة إضعاف الحزب وتفكيك قدراته المالية والعسكرية، وإنهاء سرديته المزعومة عن “المقاومة” والتي جعلته “دولة فوق الدولة”.

ويردف: “وكما كان الحزب يلعب على وتر تقليص الثقة بالحكومة والدولة، فإنه يواجه الأزمة ذاتها بعدما تحول سلاحه إلى سبب في النزوح والقتل والتهجير وعدم قدرته على حماية لبنان، كل لبنان”.   

ويؤكد المحلل السياسي اللبناني، أن التجربة اليوم أثبتت “ضرورة إنهاء زمن الميلشيات التي حكمت لبنان لعقود، وتوغلت في المنطقة خلال العقد الماضي، ومن ثم، ضرورة استعادة الدولة من جديد لأدوارها وعدم تقويض نفوذها والتأثير على سيادتها تآكل شرعيتها، حيث إن السلاح غير الشرعي سيظل كذلك تحت أي دعوى طائفية ومبررات أيديولوجية سواء (مقاومة) أو الوصول لـ(طريق القدس)، وفي المحصلة لم يكن سلاح الحزب سوى وسيلة عقابية في الداخل لمعارضيه وانتشار (كاتم الصوت) الذي قضى بسببه كثيرون، منهم لقمان سليم، ناهيك عن تدمير لبنان في حرب غزة”.

وبحسب المصادر الصحفية، فإن استهداف مقار الذراع المالية لـ”حزب الله”، وصل إلى بعلبك والهرمل ورياق في شرق لبنان، بالإضافة لمدينة صور وغيرها من المدن الجنوبية. 

إسرائيل لن تتراجع عن تحقيق هدفها

ويلفت المحلل السياسي اللبناني إلى أن تزامن الضربة مع زيارة مبعوث الرئيس الأميركي آموس هوكشتاين، يؤشر إلى أن تل أبيب عازمة على استكمال استراتيجيتها الهادفة لإضعاف “حزب الله” للنهاية، وأن تكتب نهاية كذلك للتهديدات السابقة ووضع “الكلمة الأخيرة في فصل (توازن الردع) الذي لطالما وظفه حزب الله في سرديته السياسية لحساب منح سلاحه الشرعية كونه يحمي البلاد من التهديد الإسرائيلي”. بالتالي، فإن المسار السياسي والدبلوماسي لوقت إطلاق النار لن يمنع القوات الإسرائيلية عن مواصلة ضرباتها للحزب. 

موقع القصف الإسرائيلي الذي استهدف فرع “مؤسسة القرض الحسن” للتمويل بمنطقة الشياح في بيروت 21 أكتوبر 2024- “إ.ب.أ”

وذكرت المؤسسة المالية في بيان: “من المهم أن نلاحظ أن المؤسسة اتخذت كل التدابير اللازمة منذ بداية الحرب. هذه التدابير كافية لحماية الودائع وثقة الناس وحماية سبل عيشهم وثمار عملهم. العين بالعين والسن بالسن”.

هذا وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي، أمس الاثنين، إن قواته هاجمت 30 هدفا مصرفيا تابعا لـ”حزب الله” في مختلف أنحاء لبنان، وهي مؤسسات “القرض الحسن” المالية.

وهذه الهجمات استهدفت ما لا يقل عن 15 فرعا من فروع “مؤسسة القرض الحسن” الذراع المالية للحزب، في حين تملك “مؤسسة القرض الحسن” أكثر من 30 فرعا في مختلف أنحاء لبنان.

وبالتالي يمكن القول إن الروابط بالفعل بين “حزب الله” وشبكات المستفيدين منه سواء منظمة أو أفراد بدأت تضعف بالفعل، حيث إن الهواجس من ضياع المدخرات بات يفرض نفسه على الجميع، حيث ذكرت عدة وسائل إعلامية أن المودعين بدؤوا بالفعل سحب مدخراتهم من المؤسسة المسجلة كجمعية خيرية في لبنان.

وفي حين تبدو قوننة أوضاع المؤسسة المالية من خلال ترخيصها كجمعية خيرية، فإنها لا تقوم سوى بأنشطة مالية مصرفية بما يجعلها عبارة عن ذراع مالية للحزب وتعنى بما هو أكبر من فكرة العمل الخيري التنموي، ولهذا تصنفها المصادر الأميركية والغربية فضلا عن الإسرائيلية بأنها الذراع المالية لوكيل طهران في لبنان وتستخدمها في أنشطة “إرهابية” و”مشبوهة” لتمويل العمليات المسلحة، وقد أكدت وزارة الخزانة الأميركية هذا الموقف عام 2021، موضحة: “المؤسسة تستخدم خدمة الشعب اللبناني كغطاء، إلا أنها تُستخدم لنقل الأموال بشكل غير مشروع من خلال شبكة معقدة من الحسابات الوهمية والوسطاء”.

وقال تقرير الخزانة الأميركية “تواصل إيران تزويد حزب الله بمعظم تمويله وتدريبه وأسلحته ومتفجراته، وتقديم المساعدات السياسية والدبلوماسية والمالية والتنظيمية”، ويكاد أن يكون هذا هو قوام الحزب المالي الذي يعتمد عليه في اقتصادياته وبناء شبكاته المالية التي تعزز نفوذه السياسي والعسكري.



إقرأ المزيد