السوريون يحلمون بمستقبل من دون روسيا فهل بوسعهم تحقيق هذا الحلم؟
تلفزيون سوريا -

على مدى سنين طويلة، بقيت روسيا من أهم حلفاء سوريا، وتمكنت عبر ذلك من إقامة قواعد جوية وبحرية على البحر المتوسط، فيما قدمت لدمشق دعماً عسكرياً خلال قتالها للثوار.

والآن، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، يتوق معظم السوريين لرؤية روسيا وهي ترحل بجنودها عن بلدهم، في حين أعلنت الحكومة السورية المؤقتة بأنها منفتحة على احتمالات قيام تعاون أكبر مع روسيا.

وتعليقاً على ذلك يقول أحمد طه، أحد قادة الثوار في دوما: "يعجز اللسان عن وصف الجرائم التي ارتكبتها روسيا هنا".

فقد كانت دوما مدينة مزدهرة ضمن منطقة كانت تعرف بأنها سلة الخبز بالنسبة لدمشق، وكان أحمد طه في السابق مجرد شخص مدني يعمل في مجال التجارة لكنه حمل السلاح ضد نظام بشار الأسد بعد قمعه الوحشي للمظاهرات في عام 2011.

استحالت أحياء سكنية في دوما بكاملها إلى ركام بعد أن شهدت أشرس صور القتال في الحرب السورية التي امتدت لقرابة 14 عاما.

"روسيا شريكة للأسد في تدمير البلد"

تدخلت موسكو في الحرب في عام 2015 دعماً للنظام عندما خسر على الأرض، ثم زعم وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بأن الثوار لم يكن بينهم وبين السيطرة على دمشق سوى بضعة أسابيع في ذلك الحين.

أظهرت العملية العسكرية الروسية في سوريا بأنه لا بد من أخذ طموح الرئيس فلاديمير بوتين بعين الجد بعد الاستنكار الدولي الكبير لضمه للقرم، ثم أعلنت موسكو بأنها جربت 320 نوعاً مختلفاً من الأسلحة في سوريا، كما أبرمت عقود إيجار لمدة 49 سنة موضوعها قاعدتين عسكريتين على ساحل المتوسط، وهما قاعدة طرطوس البحرية، وقاعدة حميميم الجوية، وهذا ما سمح للكرملين بتوسيع نفوذه بشكل سريع في إفريقيا، بما أن هاتين القاعدتين تحولتا لمنصتين مخصصتين لإطلاق العمليات العسكرية الروسية في كل من ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو.

اقرأ أيضاً

على الرغم من الدعم الروسي والإيراني، لم يتمكن الأسد من منع نظامه من الانهيار، غير أن موسكو قدمت له ولأسرته حق اللجوء، ولذلك يعتبر كثير من المدنيين والمقاتلين السوريين روسيا شريكة لنظام الأسد في تدمير البلد، وهذا ما دفع أبو هاشم للقول في أثناء احتفاله بسقوط النظام في دمشق: "لقد أتى الروس إلى هذا البلد لمساندة الطغاة والظلّام والغزاة"، غير أن الكرملين بقي ينكر تلك الحقيقة، ويزعم بأنه لم يستهدف سوى الجماعات الجهادية، مثل تنظيم الدولة أو القاعدة.

لكن الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية اتهمت النظام وروسيا بارتكاب جرائم حرب، إذ في عام 2016، وخلال الهجوم الذي استهدف حلب الشرقية ذات الكثافة السكانية العالية، نفذت القوات الروسية مع قوات النظام البائد غارات جوية لم تبق ولم تذر، فحصدت مئات الأرواح وأحالت المشافي والمدارس والأسواق إلى ركام بحسب تقدير صادر عن الأمم المتحدة.

حاصرت قوات النظام البائد كلاً من حلب ودوما وغيرهما من المناطق التي كانت تحت سيطرة الثوار، فقطعت عنها إمدادات الغذاء والدواء، ثم قصفتها إلى أن استسلمت فصائل المعارضة المسلحة الموجودة فيها.

كما دخلت روسيا أيضاً في مفاوضات على إبرام اتفاقيات لوقف إطلاق النار ولتسليم المدن والقرى التي كانت بيد الثوار، مثلما حدث في مدينة دوما عام 2018.

كان أحمد طه من بين الثوار الذين وافقوا على الاستسلام مقابل خروجهم بشكل آمن من المدينة بعد حصار فرضه جيش الأسد عليها استمر لمدة خمس سنوات.

لكنه عاد إلى دوما في كانون الأول من هذا العام مع العملية العسكرية التي شنها الثوار وترأستها هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، وعن ذلك يقول: "عدنا إلى وطننا رغماً عن روسيا ورغماً عن النظام وعن كل من دعمه"، ولهذا لا يشك بأن روسيا سوف ترحل، وعنها يقول: "روسيا عدوتنا"، وقد عبر كثيرون غيره عن المشاعر نفسها، بل حتى وجهاء المجتمعات المسيحية في سوريا، والذين تعهدت روسيا بحمايتهم، أعلنوا بأن موسكو لم تساعدهم إلا فيما ندر.

في حي باب توما الدمشقي، وهو حي مسيحي عريق، علق على ذلك أغناطيوس أفرام الثاني بطريرك الكنيسة السيريانية الأرثوذوكسية، فقال: "لم نجرب حماية روسيا أو غيرها من الدول في الخارج لنا... فقد أتى الروس إلى هنا من أجل مصالحهم وأهدافهم"، فيما تحدث غيره من مسيحيي سوريا بدبلوماسية أقل تجاه روسيا، إذ قال أسعد، وهو مسيحي سوري: "عندما أتوا في بداية الأمر قالوا: أتينا إلى هنا لنجدتكم، لكنهم بدلاً من أن يساعدونا دمروا سوريا أكثر فأكثر".

وفي مقابلة أجريت مع حاكم سوريا الحالي، أحمد الشرع، خلال هذا الشهر، ذكر بأنه لا يستبعد فكرة السماح لروسيا بالبقاء في سوريا، ووصف العلاقات بين البلدين بالاستراتيجية.

فانتهزت روسيا فرصة كلامه، ليعلن وزير خارجيتها لافروف موافقته على ما قال مؤكداً بأن لدى روسيا: "قواسم مشتركة كثيرة تجمعها بأصدقائها السوريين".

التعاون العسكري بين سوريا وروسيا

بيد أن تفكيك هذه العلاقات في سوريا مستقبلاً بعد رحيل الأسد لن يكون بالأمر السهل، لأن إعادة بناء الجيش السوري ستحتاج إلى البدء من الصفر مرة أخرى، أو إلى اعتماد مستمر على الإمدادات الروسية، ما يعني وجود علاقة بين البلدين بأي شكل من الأشكال، وذلك بحسب ما ذكره تركي الحسان وهو محلل متخصص في مجال الدفاع كان يعمل ضابطاً في الجيش السوري قبل تقاعده.

ثم إن التعاون العسكري ما بين دمشق وموسكو موجود قبل قيام نظام الأسد برأي الحسان، بما أن جميع عتاد الجيش السوري مصنوع في الاتحاد السوفييتي أو في روسيا، وهذا ما دفع الضابط للقول: "تسلح الجيش السوري منذ بداية تأسيسه بأسلحة قادمة من الكتلة الشرقية".

وخلال الفترة ما بين 1956 و1991 وصلت إلى سوريا خمسة آلاف دبابة و1200 طائرة حربية و50 سفينة وغيرها كثير من النظم والأسلحة الأخرى الآتية من موسكو والتي تجاوزت قيمتها 26 مليار دولار بحسب تقديرات روسيا.

ومعظم تلك الأسلحة أتت لدعم سوريا في حروبها ضد إسرائيل، بما أن هذا النزاع حدد الجزء الأكبر من سياسة سوريا الخارجية منذ أن استقلت عن فرنسا في عام 1946.

وأكثر من نصف ذلك المبلغ لم تسدده سوريا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولكن في عام 2005 أسقط الرئيس بوتين 73% من الديون عن كاهل سوريا.

والآن، أصبح المسؤولون الروس ينهجون نهجاً تصالحياً حذراً مع الحكام الحاليين لسوريا بعد إسقاطهم لحليفهم القديم، إذ أعلن فاسيلي نيبينزيا، مندوب موسكو لدى الأمم المتحدة، بأن الأحداث الأخيرة بدأت مرحلة جديدة في تاريخ: " الشعب السوري الشقيق" على حد تعبيره، وذكر بأن روسيا ستقدم الدعم الإنساني وفي مجال إعادة الإعمار بما يساعد اللاجئين السوريين على العودة إلى وطنهم.

 

المصدر: BBC News



إقرأ المزيد