تلفزيون سوريا - 1/14/2025 2:42:22 AM - GMT (+2 )
أغرقت البضائع المستوردة الأسواق السورية عقب طرد بشار الأسد، وذلك بفضل زوال القيود المفروضة على الدولار، والرسوم الجمركية الباهظة المفروضة على البضائع، وهذا ما أدى إلى حدوث طفرة في السلع التي اختفت من الأسواق السورية طوال فترة الحرب.
خلال الأسابيع التي تلت إسقاط الأسد بفضل عملية عسكرية ترأستها هيئة تحرير الشام، وصلت كميات كبيرة من البضائع الغربية وبضائع دول الجوار إلى الأسواق السورية، فحول العاصمة السورية دمشق، أصبحت المحال التجارية ترص المياه التركية المعلبة، ومكعبات مرق الدجاج المصنوعة في السعودية، ومسحوق الحليب اللبناني، وعلامات تجارية أجنبية معروفة لأنواع من الشوكولا، وعلى رأسها تويكس وسنيكرز. وفي أحد المتاجر الكبرى بوسط العاصمة، ثمة جدار كامل مخصص لمنتجات "برينغلز".
"كل جديد مستورد"يحدثنا أحد العاملين في هذا المتجر، فيقول: "كما ترون فإن كل شيء مستورد جديد"، وأضاف بأن أكثر ما سر الناس هو عودة الجبنة المكعبات والمشروبات مثل بيبسي، وقال: "كان كل شيء نبيعه مصنع في سوريا".
في عام 2013، أصدر الأسد قراراً يقضي بتجريم التعامل بالعملات الأجنبية وذلك سعياً منه لدعم الليرة السورية خلال فترة الحرب الدموية التي امتدت لـ13 عاماً، وفي الوقت ذاته، رفع النظام الرسوم الجمركية لرفد الإيرادات، إذ على سبيل المثال فرض على أجهزة الآيفون ضريبة تعادل 900 دولار تقريباً منذ العام المنصرم، وهذا ما أجبر السوريين على الاعتماد على المنتجات المصنعة محلياً، مع تفشي التهريب من لبنان لسلع لا يمكن تأمينها في البلد، مثل صلصة الصويا، كما فاقمت العقوبات الدولية حالة العزلة المفروضة على سوريا، على الرغم من إعفاء الأغذية والأدوية من تلك العقوبات.
كان من عادة التجار والباعة إخفاء البضائع الأجنبية خلف طاولات البيع ليقوموا ببيعها سراً لمن يعرفونهم من الزبائن، كما زاد الخوف من المداهمات والاعتقال والابتزاز على يد عناصر الأمن، ولذلك صار السوريون يتجنبون ذكر كلمة "دولار" ويستخدمون محلها كلمة "البقدونس" للتعبير عنها.
"ضخ الدماء في عروق الاقتصاد"منذ وصول الحكومة التي تترأسها هيئة تحرير الشام إلى الحكم سمحت بالتعامل بالدولار، لكنها أعلنت يوم السبت الماضي عن حزمة جديدة من الرسوم الجمركية الموحدة والتي تهدف إلى خفض الرسوم على حد زعمها بنسبة تتراوح ما بين 50-60%، وأضافت بأن خفض الرسوم على المواد الخام المستوردة سيسهم في حماية الجهات المصنعة المحلية، وعلق على ذلك ماهر خليل الحسن، وزير التجارة الداخلية، في تصريح لوكالة سانا خلال هذا الشهر، فقال: "تتمثل مسؤوليتنا الأساسية خلال هذه المرحلة بضخ الدماء في عروق الاقتصاد والحفاظ على المؤسسات وخدمة المواطنين".
بدأت البضاعة المستوردة التي بقيت طوال سنين تصل من تركيا إلى محافظة إدلب التي سيطرت عليها هيئة تحرير الشام بالوصول إلى بقية أنحاء سوريا، ناهيك عن تلك البضاعة الآتية من لبنان، بما أن معظم السيارات القادمة من هناك تعبر الحدود من دون أن يجري تفتيشها في الغالب الأعم.
ماتزال العلامات التجارية المحلية أرخص بكثير من الأجنبية، وذلك لأن قارورة الكاتشب السوري من نوع دوليز مثلاً تباع بمبلغ 14 ألف ليرة سورية (ما يعادل دولاراً واحداً) في أحد المتاجر الكبرى، في حين تباع قارورة الكاتشب من نوع هينز بمبلغ يعادل 78 ألف ليرة.
صار بوسع الناس من جديد شراء سلع ومنتجات أخرى، فالموز القادم من لبنان، والذي تحول من منتج يستهلك بصورة يومية إلى رفاهية خلال الحرب السورية، صار يأتي بكثرة من الساحل السوري الخصيب، وهذا ما خفض سعر الكيلو الواحد بنسبة تعادل الثلث برأي الباعة.
هبوط في أسعار المستورد وغير المستورديخبرنا محمود، 35 عاماً، وهو بائع خضار وفواكه بأن كل منتجاته هبطت قيمتها خلال الشهر الماضي، سواء أكانت مستوردة أم غير مستوردة، إذ أصبح سعر الأناناس الأجنبي اليوم يعادل خمس سعره السابق، كما أصبح سعر البطاطا المحلية يعادل ربع سعرها السابق.
يعزو محمود كل ذلك إلى انتهاء حالة الابتزاز التي استشرت أيام الأسد، والتي كان خلالها الفلاحون يقدمون كميات كبيرة من منتجاتهم لحواجز التفتيش وهم في طريقهم لتسليمها إلى تجار الجملة، ومعظم تلك الحواجز كانت تتبع للفرقة الرابعة الدموية سيئة الصيت التي يديرها ماهر الأسد شقيق بشار، وهذا ما أجبر الباعة على فرض أسعار أعلى لتعويض خسائرهم.
يعلق محمود على ذلك بقوله: "ما الذي بوسع الفلاح أن يقوله لهم؟ إن كل ما يريده هو أن يسترزق"، وأضاف بأنه كان يقدم أكياساً من منتجاته للضباط والعساكر عند مداهمتهم للمكان الذي يبيع فيه بضاعته.
أقام محمود "البسطة" التي يعرض فيها بضاعته وسط سوق الشعلان الذي خلا من الناس صباح يوم السبت، بما أن معظم السوريين شدوا الأحزمة مع تأخر صرف رواتبهم.
يعلق محمود على ذلك بقوله: "لكني أحس بالأمان، إذ لم أعد أمشي وأنا أتفحص كل من حولي خوفاً من قدومهم إلي".
أطلق السوريون نكاتاً ساخرة بمجرد أن عادت علامة تجارية أجنبية أخرى أثارت شجونهم، ألا وهي جبنة البقرة الضاحكة الفرنسية التي اعتاد السوريون على استخدامها في شطائرهم عندما كانوا صغاراً، إذ نشر سوري فيديو عبر منصة إنستغرام يظهر الصورة الشهيرة لهذه العلامة التجارية وهو يقول: "من إيمتى ما شفت هالضحكة؟ راح الحمار ورجعت البقرة".
المصدر: The Financial Times
إقرأ المزيد