تلفزيون سوريا - 1/14/2025 5:24:06 AM - GMT (+2 )
تواجه منطقة الحولة في ريف حمص الشمالي كارثة صحية متفاقمة بسبب غياب المراكز الصحية وخروج المشفى الوحيد عن الخدمة منذ 13 عاماً، حيث يجد السكان أنفسهم أمام واقع قاسٍ يفاقمه نقص الكوادر الطبية والمستلزمات العلاجية، ما يضطر المرضى وأصحاب الحالات الطارئة إلى قطع مسافات طويلة بحثاً عن العلاج.
ومنذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، شهد القطاع الطبي في الحولة تدهوراً كبيراً، حيث تعرّضت المنشآت الصحية للاستهداف المباشر من قبل قوات النظام المخلوع، ما أدى إلى خروج العديد منها عن الخدمة.
وتزايدت معاناة الأهالي مع بدء الحصار الخانق على المنطقة منذ عام 2012، حيث انقطعت الإمدادات الطبية والغذائية بشكل شبه كامل، وأصبحت المنطقة تعتمد على مستشفيات ميدانية بدائية تفتقر إلى المعدات الضرورية والأدوية الأساسية. واضطرت الكوادر الطبية للعمل في ظروف قاسية وسط نقص حاد في الموارد، في محاولة لتقديم الحد الأدنى من الرعاية الصحية للسكان المحاصرين.
ومع تنفيذ اتفاق التهجير في أيار عام 2018، تفاقمت الأزمة الصحية في الحولة بشكل غير مسبوق، حيث أُجبر الأطباء والعاملون في المجال الطبي على مغادرة المنطقة، ما أدى إلى إغلاق المستشفيات الميدانية القليلة التي كانت تقدّم الإسعافات الأولية والخدمات الطبية.
وترك هذا الفراغ الكبير سكان المنطقة يواجهون أمراضهم وإصاباتهم دون أي دعم طبي يُذكر، وسط إهمال متعمد من قبل النظام المخلوع الذي لم يُقدّم أي خدمات صحية تعوّض غياب الكوادر والمنشآت الطبية.
من صرح طبي إلى مصدر للموتتُعد منطقة الحولة، الواقعة شمال غربي مدينة حمص، موطناً لما يقارب 100 ألف نسمة، يضاف إليهم سكان القرى والبلدات المجاورة الذين يبلغ عددهم أكثر من 50 ألف نسمة، ولسنوات طويلة، عانى سكان المنطقة من غياب المرافق الطبية المتخصصة، حيث لم تكن تتوفر سوى بعض المستوصفات الصغيرة في المدن الكبرى.
وكان أقرب مشفى متكامل هو المشفى الوطني في مدينة حمص، الذي يقع على بُعد 25 كيلومتراً، مما كان يشكل عبئاً كبيراً على الأهالي في الحالات الطارئة.
وبعد مطالبات حثيثة من السكان وجهود ووساطات متواصلة، تم افتتاح مشفى الحولة الوطني عام 2004، بعد تأهيل مبنى قديم كان مخصصًا لمعمل غزل ونسيج.
ويقول رئيس التمريض السابق في المشفى، عمار العلي، إن المشفى سرعان ما أصبح مركزاً صحياً رئيسياً في المنطقة، حيث وفّر خدمات طبية متنوعة شملت العناية المركزة، وغسيل الكلى، وأقسام النسائية والحواضن والأطفال، بالإضافة إلى التصوير الشعاعي وغرف العمليات والصيدلية المركزية.
وأوضح العلي في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن هذا التنوع في الخدمات أسهم في تخفيف معاناة السكان وسدّ جزءاً كبيراً من احتياجاتهم الصحية.
إلّا أن هذا الواقع بدأ بالتغير مع اندلاع الثورة السورية واقتحام قوات النظام المخلوع لمنطقة الحولة في 7 من آب عام 2011، حيث جرى اقتحام المشفى واعتقال عدد من كوادره الطبية، كما قُتل أحد العاملين فيه تحت التعذيب.
وتأثر العمل في المشفى بالظروف الأمنية المتوترة في المنطقة آنذاك، وتفاقمت الأوضاع لاحقاً مع وقوع مجزرة الحولة الشهيرة في 25 من أيار 2012، حيث كان المشفى قريباً من المنازل التي شهدت تلك الجريمة، بحسب العلي.
وفي أعقاب المجزرة، تعرّض المشفى لقصف عنيف بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة من قبل قوات النظام المخلوع، ما ألحق أضراراً جسيمة ببنيته التحتية، ولم يكتفِ النظام بذلك، بل قام بتحويل المشفى إلى ثكنة عسكرية تُستخدم لإطلاق القذائف ونشر الموت في أرجاء المنطقة، لتتحول هذه المنشأة الطبية من ملاذ للمرضى إلى مصدر للدمار والخوف.
تحديات القطاع الصحي في الحولةعقب سقوط نظام الأسد، اعتمدت مديرية الصحة في حمص مشفى شام الجراحي كمشفى وطني في المنطقة، وهو منشأة بنتها منظمة "شام الإنسانية" عام 2017 وجهّزتها لإجراء العمليات الجراحية، إلا أن المشفى تعرّض للسرقة ثم أُغلق بعد دخول النظام المخلوع إلى المنطقة عام 2018.
وحول التحديات التي تواجه القطاع الصحي في المنطقة، أكّد مدير المشفى الوطني الجديد في الحولة، الدكتور عبد الكافي بركات، وجود عوائق كبيرة، أبرزها ضعف البنية التحتية وضيق مساحة المشفى، ما يحدّ من قدرته على استيعاب الأعداد المتزايدة من المرضى. كما أشار إلى نقص الإمكانيات الأساسية للعمل الطبي، بما في ذلك الأدوية، والإسعافات الأولية، والمواد التشغيلية واللوجستية.
وأوضح بركات في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن القطاع الصحي في الحولة شهد تدهوراً شبه كامل خلال السنوات الماضية، نتيجة قصف المشفى الوطني الأساسي وتحويله إلى ثكنة عسكرية، ما أدى إلى خروجه عن الخدمة. كما تعرّض مشفى شام، الذي أُسّس خلال فترة الحصار، لعمليات سرقة طالت أجهزته الطبية وأدويته ومستلزماته، حيث نُقلت إلى مناطق أخرى.
ويعاني القطاع الصحي من نقص حاد في الكوادر الطبية، من أطباء وفنيين وممرضين، إلى جانب غياب مبانٍ تستوعب الأعداد الكبيرة من المرضى. بالإضافة إلى وجود حاجة ماسّة لتأمين أدوية الأمراض المزمنة، وأدوية الأطفال، وتفعيل قسم الإسعاف بشكل كامل، فضلاً عن البدء بإجراء العمليات الجراحية وتوفير الأوكسجين.
وأشار بركات إلى أن الحولة تعاني من انتشار الأمراض الجلدية وسوء التغذية لدى الأطفال، إلى جانب الأمراض الصدرية والموسمية التي تتفاقم في فصل الشتاء. ورغم هذه الأوضاع، لا تتلقى المنطقة أي دعم من المنظمات الإنسانية، ما يزيد من معاناة السكان الذين يبلغ عددهم نحو 150 ألف نسمة من سكان المدن الثلاث الكبرى والقرى التابعة لها.
ورغم الصعوبات، تعمل حالياً بعض العيادات بشكل تطوعي ومجاني، مثل العيادات النسائية والعظمية وعيادات الأطفال، إلا أن هذه المبادرات مهددة بالتوقف نتيجة صعوبة التنقل، وارتفاع تكاليف المعيشة، وغياب الإمكانيات في المشفى، بحسب بركات.
ودعا بركات الحكومة إلى إعادة الكوادر الطبية التي فصلها النظام المخلوع بسبب مشاركتها في الثورة، مؤكّداً أن الأولوية تتمثل في إعادة تأهيل المشفى الوطني والمراكز الصحية وتزويدها بالمستلزمات والتجهيزات الطبية الضرورية بأسرع وقت ممكن.
محاولات حكومية لتحسين الواقع الطبي في الحولةأجرى وفد من مديرية الصحة في حمص جولة على المراكز الصحية في منطقة الحولة يوم الإثنين الماضي لتقييم أبرز الاحتياجات والوقوف على واقع القطاع الطبي المنهار هناك.
وعقب الزيارة، وصف معاون مدير الصحة في حمص، الدكتور عبيدة الناصر، الواقع الطبي في منطقة الحولة بأنه "سيئ جداً" ومتردٍ، إذ تفتقر المراكز الصحية إلى أدنى المقومات والجودة الطبية، فلا توجد فيها أجهزة، وصيدلياتها ومستودعاتها فارغة، ويقتصر عملها على بعض اللقاحات للأطفال والصحة الإنجابية دون وجود أطباء مناوبين أو موجودين يومياً.
وأشار الناصر في حديث لموقع تلفزيون سوريا إلى أن تدهور الواقع الطبي في المنطقة جاء نتيجة سياسة ممنهجة من قبل النظام المخلوع، حيث عمل في عهدي الأسد الأب والابن على تهميش مناطق معينة في حمص وحرمان سكانها من الخدمات، لدوافع طائفية.
وتحتاج المنطقة بشكل عاجل إلى ترميم البنية التحتية بشكل كامل، لا سيما المشفى الوطني الذي تعرّض للدمار شبه الكامل، ومن ثم تشغيله وتزويده بالأجهزة الطبية والتجهيزات، بحسب الناصر.
وعن الخطط الحكومية للنهوض بهذا القطاع، قال معاون مدير الصحة في حمص: "الحكومة تولي اهتماماً خاصاً بالقطاع الطبي ومن أولوياتها توجيه الدعم إليه. وفي هذا الإطار قمنا بإجراء جولة على المراكز الصحية في المنطقة للوقوف على أبرز الاحتياجات والعمل على تأمين أهمها، كما تم توجيه بإرسال شحنة إسعافية مستعجلة تتضمن أدوية وأجهزة طبية، وسيتم تعزيز المراكز بكوادر مؤهلة لضمان وجود أطباء على مدار الساعة".
وأشار الناصر إلى أن ترميم ما دمّره النظام المخلوع وإعادة القطاع الطبي إلى وضعه الصحيح يحتاج إلى ميزانية كبيرة وتضافر جهود الجميع، بما في ذلك المؤسسات الإنسانية والمنظمات المجتمعية.
إقرأ المزيد