مسارح جريمة.. لماذا يجب إيقاف العبث بوثائق الأفرع الأمنية والسجون في سوريا؟
تلفزيون سوريا -

على مواقع التواصل الاجتماعي يقف بعض من يطلق عليهم "المؤثرون" أو من لديهم متابعون أمام الأفرع الأمنية والسجون والمعتقلات في سوريا التي ابتلعت وغيبت في داخلها عشرات آلاف السوريين، وهم يعبثون بالوثائق والتقارير الأمنية وبعضهم يلقيها على الأرض مع ما تحمله من أهمية كبيرة.

وكانت الطامة الكبرى في الجريمة التي ارتكبها أحد الفرق التطوعية باللاذقية من خلال ذهابهم لأحد السجون والعمل على إعادة طلاء جدرانه، في طمس لمسرح جريمة لا يجوز المس بها.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بهذه الأخبار معتبرين أن هذه الأفعال قد تكون مقصودة لمسح معالم جريمة موصوفة، فالسجون والمعتقلات لا يجوز المس بها.

في الساعات الأخيرة قبل سقوط النظام وهروب بشار الأسد، وقعت دمشق تحت فوضى الانهيار الأمني ودخول فصائل مسلحة متنوعة معظمها ليست منضوية تحت إدارة غرفة العمليات العسكرية، إلى جانب الطابور الخامس الذي عمل على استغلال الوضع وسرق ونهب العديد من محتويات الأفرع الأمنية والمؤسسات الرسمية.

وبعد تمكن إدارة العمليات العسكرية من السيطرة على دمشق وريفها، وضعت حراسة مشددة على كل الأفرع الأمنية والسجون والمؤسسات الرسمية بهدف حمايتها من السرقة.

في المقابل كانت المقاطع المصورة التي تنتشر على مواقع التواصل من قبل بعض صانعي المحتوى الذين دخلوا إلى المعتقلات والسجون السورية وصوروا ما بداخلها، ورغم أهمية نقل ما كان يجري في سوريا إلى العالم، إلا أنه حصلت بعض التجاوزات التي سمحت لهؤلاء بالعبث بمحتويات التقارير الأمنية التي كانت ضد السوريين وبالملفات التي تخص المعتقلين، كما تعرضت بعض السجون للسرقة حتى بعد سقوط النظام بأيام كما حدث في سجن صيدنايا، إلى جانب طلاء جدران السجن ومسح ذكريات المعتقلين الذين قد نتمكن من معرفة بعضهم عبر المحققين الجنائيين أو عبر فحوصات DNA.

اقرأ أيضاً

مسرح جريمة لا يجوز الاقتراب منه

وفي كل تلك الأفرع الأمنية والسجون ومراكز الاحتجاز يوجد وثائق ودلائل على ارتكاب المجازر، والعبث فيها من قبل راكبي الموجات والترند وجامعي الإعجابات والمشاهدات قد يؤثر على أي عملية تحقيق مقبلة.

وفي تجربة لموقع تلفزيون سوريا بالدخول إلى بعض الأفرع الأمنية والفرق العسكرية وغيرها من الأماكن بهدف التصوير والوقوف على واقعها لنقله عبر منصاتنا للسوريين والعالم، كان الجواب ببعض الأحيان أنكم تحتاجون إلى موافقة أمنية من وزارة الإعلام، وعندما حصلنا على الموافقة منعنا من الدخول في الوقت الذي كان بعض صناع المحتوى يدخلون بكل سهولة ومن دون موافقات من خلال المعارف.

ومع أهمية اتخاذ قرار منع دخول أي شخص ليس لديه عمل إلى الأفرع الأمنية أو سجون النظام المخلوع، إلا ضمن ضوابط ومعايير محددة تتيح نقل الصورة دون العبث بمحتويات الأفرع خصوصاً مع ملايين الوثائق الموجودة في البلاد.

من جانبه، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، لموقع تلفزيون سوريا، إن السجون ومراكز الاحتجاز والمقابر الجماعية، هي مسارح جريمة، ولها برتوكولات محددة للتعامل معها، وهذا ضمن اختصاص ما يسمى القانون الجنائي الدولي أو القانون الجنائي.

وأضاف عبد الغني أن فئات معينة فقط مسموح لها الدخول، ودخولهم إلى المعتقلات أو السجون مهمتهم هي إنفاذ القانون، بهدف تأمين مسرح الجريمة وتحديد معالمه ومواصفاته ويتم تصويره وفق ذلك دون تحريك أي شيء أو مس أي وثيقة أو مكتب أو كرسي، حيث يمكن أن ترفع البصمات ويعرف الجناة وحتى المعتقلون الموجودون.

وأشار إلى أن خبراء الطب الشرعي لهم أهمية كبرى هنا، لمعرفة إن كان هناك عظام أو جثث لمعتقلين كانت ضمن أقبية الأفرع الأمنية، ودخول هؤلاء الأشخاص مقدم على سواهم بطبيعة الحال، لخبرتهم التفصيلية في الكشف عن أي جريمة قد حدثت ضمن أمور تفصيلية موسعة.

وأكد عبد الغني ضرورة وجود مدعين عامين ومحققين في مسارح هذه الجريمة منذ الأيام الأولى أيضاً، ليباشروا في عمليات التحقيق وحفظ الأرشيف والوثائق الموجودة في الأفرع والسجون والمؤسسات ذات الصلة.

وشدد على ضرورة وجود حرس دائم وتسجيل أسماء الداخلين والخارجين من هذه الأماكن التي لا يمكن إلا وصفها بمسارح جريمة، والتأكد من عدم سرقة أي شخص لأي وثيقة أو ورقة أو أي شيء آخر قد يفيد في عمليات التحقيق المستقبلية.

ودعا عبد الغني الإدارة الجديدة لمنع دخول أي شخص غير مصرح له، ومنع العبث بمحتويات الأفرع الأمنية والسجون بما في ذلك سجن صيدنايا، وعدم مس الجدران التي كان يكتب عليها السجناء أسماءهم أو رسائلهم وأمنياتهم لأنها قد تدلنا على هؤلاء الأشخاص، وكذلك عدم الاقتراب من الوثائق أو العظام أو التراب من دون موافقة من الجهات المختصة التي ذكرناها.

وأكّد على أن حماية هذه الأماكن باختلافها وكثرتها هي مسؤولية تقع على عاتق الحكومة الجديدة بكل مؤسساتها الأمنية والعسكرية لما تحمله من أدلة ووثائق مهمة في تحقيق العدالة للسوريين مستقبلاً.

اقرأ أيضاً

كيف سمح لهم بدخول السجون؟

 من جهته، قال المعتصم بالله الكيلاني، في تعليقه على حادثة طلاء جدران السجن، إن طمس الأدلة في مسرح ارتكبت فيه جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية يُعد جريمة بحد ذاته، تهدف إلى محو آثار الانتهاكات الجسيمة وحرمان الضحايا وذويهم من حقهم في العدالة. هذه الجريمة لا تقتصر على محو الأدلة المادية مثل الوثائق أو البقايا، بل تمتد إلى محو الذكريات والشهادات التي تحملها تلك الأماكن، مما يُسهم في طمس الحقيقة ومنع العالم من رؤية حجم المعاناة التي وقعت.

وتساءل الكيلاني، "كيف يُسمح لأولئك المتورطين أو المتواطئين بالدخول إلى مواقع السجون والمعتقلات، والعبث بما تبقى من معالمها؟ مبيناً أن محو هذه الآثار ليس مجرد محاولة لإخفاء الجريمة، بل هو اعتداء آخر على الضحايا، وكأنهم يُقتلون مرتين؛ مرة حين تعرضوا للانتهاكات، وأخرى حين تُمحى ذكرياتهم من الوجود.

وأشار إلى أن هذه السجون والمواقع ليست مجرد جدران، بل هي شاهدة على تضحيات كبيرة وجرائم لا تُغتفر. يجب أن تبقى هذه الأماكن حية في الذاكرة الجماعية كرمزٍ للصمود وكمصدرٍ للشهادات التي تُدين مرتكبي الجرائم. إزالة هذه المعالم يعني قتل الأثر الأخير الذي يُذكرنا بضحايا القمع والوحشية، وحرمان الإنسانية من فرصة التعلم من هذه المآسي لضمان عدم تكرارها.

وأكّد على أن جريمة طمس الأدلة هي محاولة لإخفاء الحقائق وعرقلة العدالة. وهي خطوة تهدف إلى حماية المجرمين من المحاسبة ومنع المجتمعات من تحقيق السلام القائم على الحقيقة والمصالحة. الحفاظ على هذه الذكريات والمعالم ليس فقط واجباً أخلاقياً، بل هو مسؤولية إنسانية لضمان بقاء الحقيقة وشرف الضحايا في وجدان العالم.

ما أبرز المعتقلات التي غيبت السوريين؟

وحملت أجهزة أمن النظام المخلوع الاستخبارية اسم الفروع، وكان كل فرع منها يحمل رقماً أو رمزاً، بقي يشكل رعباً كبيراً على السوريين حتى تاريخ سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024 التي كانت بداية فتح تلك المعتقلات وإخراج ما تبقى من المعتقلين أحياء منها في لحظة تاريخية من عمر السوريين.

وتنقسم تلك الإدارة الأمنية أو الفروع إلى شعب ترتبط جميعا بالقائد الأعلى للجيش منذ زمن حافظ الأسد وطرأت عليها تعديلات طفيفة وبقي جوهر الإجرام والقهر فيها بحق السوريين في زمن الرئيس المخلوع بشار الأسد، وهي المخابرات الجوية، والأمن العسكري والأمن السياسي والمخابرات العامة أو أمن الدولة، وأشهر فروعها المتمركزة في دمشق ولها إدارة وشعب في كل المحافظات والمدن السورية:

  • الفرع 215 (سرية المداهمة والاقتحام) يتبع لجهاز المخابرات العسكرية
  • الفرع 216 (فرع الدوريات) يتبع للأمن العسكري.
  • الفرع 227 (فرع المنطقة) جزء من جهاز الاستخبارات العسكرية (جزء كبير من صور قيصر أخذت من داخله)
  • الفرع 235 (فرع فلسطين) أحد أكثر الفروع الأمنية رعباً في سوريا والذي كان يلاحق المنظمات الفلسطينية العاملة في سوريا وخارجها.
  • الفرع 248 (فرع التحقيق العسكري) يتبع فرع المخابرات العسكرية.
  • الفرع 251 (فرع الخطيب) يتبع لإدارة المخابرات العامة.
  • الفرع 285 (فرع التحقيق) يتبع إدارة المخابرات العامة
  • الفرع 295 (فرع مكافحة الإرهاب) يتبع إدارة المخابرات العامة.
  • فرع المخابرات الجوية في حرستا ويتبع لإدارة المخابرات الجوية.
  • فرع المخابرات الجوية في مطار المزة العسكري، ويتبع لإدارة المخابرات الجوية.

ولم يقتصر التحقيق على هذه الأفرع الوحشية، إنما كان يشمل السجون الشهيرة تاريخياً مثل سجن صيدنايا العسكري وسجن تدمر العسكري والسجون المركزية في دمشق وجميع المحافظات والمدن.

اقرأ أيضاً



إقرأ المزيد