رفع القيود التجارية بين سوريا وتركيا.. تحديات وفرص
تلفزيون سوريا -

بعد أن اقتصر التبادل التجاري بين سوريا وتركيا خلال السنوات القليلة الماضية على مناطق الشمال السوري التي كانت خاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، أعلنت كل من السلطات السورية والتركية عن قرارات اقتصادية من شأنها توسيع هذا التبادل ليشمل كامل البلاد عقب تحريرها من النظام السابق.

وزارة التجارة التركية أعلنت رفع القيود المفروضة على تصدير البضائع والمنتجات السورية إلى داخل الأسواق التركية، إلى جانب فتح أراضيها لإعادة تفعيل حركة تصدير البضائع ترانزيت إلى الدول الأجنبية، لتدخل اللائحة الجديدة بشأن التجارة المتبادلة مع سوريا حيز التنفيذ اعتبارًا من 12 شباط الحالي، بحسب الموقع الرسمي للوزارة.

هذا القرار جاء بعد أيام قليلة على زيارة الرئيس السوري، أحمد الشرع، إلى تركيا، والتي بحث من خلالها مع نظيره التركي، رجب طيب أردوغان ملفات أمنية واقتصادية، كما جاء بعد حديث تركي-سوري عن إحياء اتفاقية "التجارة الحرة" الموقعة بين البلدين عام 2004 قبل أن يتم إيقاف العمل بها عقب اندلاع الثورة السورية.

وكان أردوغان أعلن خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع الشرع في 4 شباط الحالي، نية بلاده العمل على تطوير العلاقات مع سوريا "بطريقة متعددة الأبعاد بكافة المجالات بدءاً من التجارة والطاقة وصولا إلى الطيران المدني والصحة والتعليم"، مشيرا إلى أن العقوبات المفروضة على سوريا في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد ستخفف بعد المبادرات التركية.

من جانبه عبّر مدير العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية، مازن علوش، في تصريح لوكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا"، عن امتنان الهيئة لوزير التجارة التركي على قرار رفع القيود، معتبرًا أنه يعكس عمق العلاقات التجارية بين البلدين، ما يسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري المشترك.

فرصة للمدى الطويل

وحول المشهد الاقتصادي الذي سيتشكل بعد رفع القيود التجارية بين سوريا وتركيا، يرى المحلل الاقتصادي جلال بكار أن الحكومة السورية الجديدة الانتقالية تسعى إلى دعم الإنتاج وتوفير أسواق للمنتجات السورية في تركيا وأوروبا، وذلك لأن النموذج الإنتاجي هو الذي سيدعم الاقتصاد و"الذي يملك الإنتاج في اقتصاده اقتصاده يمرض ولا يموت"، بحسب تعبيره.

ومن الممكن أن يحفز هذا القرار النمو الاقتصادي في سوريا بعد أن تدور عجلة الإنتاج الصناعي وتطور الصناعات المعقدة مستقبليا ما سيجذب الاستثمارات الأجنبية، وفقًا لما قاله بكار لموقع تلفزيون سوريا.

اقرأ أيضاً

فيما يرى الخبير الاقتصادي خالد التركاوي أن التأثير الأبرز لهذا القرار سيكون تخفيض كلفة البضائع ما سيخلق تنافسا أعلى، لكن هناك مشكلة من الواجب ملاحظتها وهي ضعف البضائع السورية، إذ يتساءل التجار غير السوريين عن ماهية البضائع التي ستُستورد من سوريا.

التحدي الأبرز: اقتصاد مترد

وقال تركاوي في حديث لموقع تلفزيون سوريا إن التحدي الرئيسي للمصدر السوري هو حاجة الداخل وعدم قدرة السلع السورية على المنافسة في الخارج، كما أن المشكلة تكمن في الاقتصاد السوري نفسه لقلة السلع الممكن تصديرها إلى خارج سوريا. 

وأضاف أنه عند الحديث عن التصدير السوري فهناك صادرات الخضار والفاكهة لكن هذه المنتجات لا تصل إلى كل الأسواق وليتم إيصالها تحتاج إلى برادات فبالتالي الكلفة ستكون أكبر، أما منتجات الألبسة فمستواها ضعيف والمنظفات جودتها ضعيفة، ولذلك لن تستفيد المنتجات السورية من هذا القرار ما عدا المنتجات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني.

في حين يرى المحلل الاقتصادي فراس شعبو أن القرار في مضمونه جيد على المدى الطويل ويعزز النشاط التجاري، لكن اليوم الحالة السورية "استثنائية" بسبب تردي الوضع الاقتصادي وعدم استقرار الليرة السورية ولكن إذا دارت عجلة الاقتصاد مجددا في سوريا فمن المؤكد أن المصانع السورية ستستفيد، وسيكون هناك تكافؤ في هذه الاتفاقات بين البلدين.

وأوضح شعبو في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن هذا القرار ساعد على حل واحدة من أبرز المشكلات التي كان يعاني منها المصدرون خلال السنوات السابقة خاصة في مناطق الشمال السوري، وهي مشكلة "بلد المنشأ"، إذا كانوا يُضطرون إلى دفع رسوم مرتفعة جدًا إلى السلطات التركية لتصدير منتجاتهم عبر أراضيها على أنها تركية المنشأ.

ويمكن الاستفادة من هذا القرار في سوريا من خلال استيراد المواد الأولية من تركيا وإعادة تصنيعها ومن ثم إعادة تصديرها، الأمر الذي من الممكن أن يشكل حافزًا للشركات السورية، بحسب شعبو.

ماذا ستصدر سوريا لتركيا؟

خلال السنوات السابقة تركزت صادرات الشمال السوري لتركيا في الغالب على الزيوت الحيوانية والنباتية والقطن من سوريا، ومن بين المنتجات الرئيسية الأخرى التي كانت تُستورد الحديد والصلب والحبوب والخضروات والفواكه والقهوة والشاي والحيوانات الحية والألمنيوم والرصاص، وفقا لتقارير اقتصادية تركية.

وأوضح المحلل الاقتصادي جلال بكار أن قطاع الأنسجة السورية من القطاعات المهمة للتصدير لكون نوعيات القطن السوري مشهورة دوليًا على أنها نادرة، كما أن المنتجات القطنية السورية تُسوق على أنها الأفضل في الأسواق الدولية، مشيرًا إلى أن قطاع الأنسجة سيعود من جديد ولكن يحتاج إلى الوقت وإلى توفر موارد الطاقة والمواد الأولية.

من جانبه أوضح المحلل الاقتصادي فراس شعبو أن أبرز المنتجات التي من الممكن أن تدخل من سوريا إلى تركيا ستتركز على المنتجات الحرفية والمهنية والزراعية، بسبب تراجع الحركة الصناعية في سوريا على مستوى التجهيزات والمواد التصنيعية الأساسية.

الفائدة الأكبر لتركيا

وستكون تركيا المستفيدة الأكبر من هذا القرار بسبب تعطل السوق في سوريا وتوقف المعامل التي تعاني من عدم القدرة على التشغيل بسبب ارتفاع التكاليف وغياب البنى التحتية، وهذا يعني فتح الأسواق السورية أمام البضائع التركية، وستكون القطاعات التركية الأكثر استفادة من هذا القرار قطاعات الإنشاءات والحديد والأسمنت والنسيج، والتي ستسبب ضغطا كبيرا ومنافسة للصناعات والمنتجات السورية، بحسب ما قاله شعبو.

وأوضح شعبو أن اليوم هناك العديد من الشركات التركية التي تفكر في الاستثمار في سوريا مع انخفاض سعر اليد العاملة مقارنة مع تركيا، خاصة أن الحد الأدنى للأجور في تركيا يصل إلى نحو 700 دولار وهو مبلغ يمكن صرفه لأربعة عمال في سوريا وعدم وجود ضرائب.

اقرأ أيضاً

وتعمل السلطات التركية على رفع حجم التجارة مع سوريا إلى 10 مليارات دولار على المدى القصير والمتوسط وفق تصريحات رئيس مجلس الأعمال التركي- السوري التابع لمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، إبراهيم أوزتشوركتشي.

وقال أوزتشوركتشي، في تصريحات لوكالة الأناضول التركية، إن حجم التجارة مع سوريا ارتفع إلى 2.5 مليار دولار في 2024، بعد أن كان نحو 300 مليون دولار قبل 2011.

وهذا ما أكده وزير التجارة التركي، عمر بولات، بحسب تصريحات نقلها موقع "TRT HABER"، مشيرًا إلى ارتفاع الصادرات التركية إلى سوريا بنسبة 35.5% خلال أول 25 يومًا من العام الحالي، مع وصول حجم الصادرات إلى الشمال السوري فقط إلى 161 مليون دولار أميركي.

كيف كانت التجارة بين البلدين؟

عام 2004 وقعت تركيا وسوريا اتفاقية "التجارة الحرة" لتدخل حيز التنفيذ بعد ثلاث سنوات، ومع تأثير هذه الاتفاقية تضاعف حجم التجارة الخارجية بين البلدين ثلاث مرات تقريبًا من عام 2006 إلى عام 2010. وفي عام 2009، حددت حكومتا الجارتين هدفًا يصل إلى 5 مليارات دولار في حجم التجارة، وفقًا لبيانات نقلها تقرير للصحفي التركي سليم كاراهان في موقع "HaberTürk" التركي.

وبحلول عام 2010، بلغت صادرات تركيا إلى سوريا مليار و844 مليون دولار، في حين بلغت وارداتها 452 مليوناً و493 ألف دولار. وبذلك تجاوز حجم التبادل التجاري بين تركيا وسوريا لأول مرة 2 مليار دولار ليصل إلى 2.3 مليار دولار.

ومع اندلاع الثورة السورية، توقّف العمل على تحقيق هدف الوصول إلى 5 مليارات دولار في التبادل التجاري، وذلك بعد أن فرضت تركيا قيودا تجارية على سوريا في تشرين الثاني 2011.

إلّا أن التطورات العسكرية والسياسية اللاحقة التي جاءت نتيجة للعمليات العسكرية التركية المشتركة مع فصائل المعارضة في الشمال السوري، والتي أنشأت ما عُرف لاحقًا بـ"المناطق الآمنة" فرضت نوعاً آخر من التبادل التجاري بين تركيا وهذه المناطق منذ عام 2017 وحتى إسقاط النظام السوري كانون الأول الماضي، مع وجود تجارة غير رسمية مع المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام السابق عبر تجار ووسطاء.

وكانت التجارة الخارجية مع تركيا تتم من خلال اتفاقيات موقعة بين تركيا والتجار السوريين تسمح بالتبادل التجاري بالاتجاهين باستثناء بعض المواد، كما تسمح بعبور المنتجات السورية إلى دول أخرى عبر تركيا.



إقرأ المزيد