فالنتاين سوريا.. الحب تحت الاختبار
تلفزيون سوريا -

الحب في زمن الحرب والفقر ليس مجرد مشاعر رومانسية، بل تجربة معقدة تختلط فيها العاطفة بالخوف، والأمل باليأس، في هذه الظروف يصبح الحب فعل مقاومة ضد القسوة، ومحاولة للتشبث بالإنسانية.

تجعل الحروب الحب هشًا لكنه أكثر عمقًا، حيث يعيش العشاق في ظل الفقدان المحتمل، مما يجعل كل لحظة ذات قيمة أكبر.

وفي كثير من الأحيان، يكون الحب في الحرب مستحيلًا أو ممنوعًا، كما في قصص العشاق من معسكرات متصارعة أو جنود يقعون في حب مدنيين من "الطرف الآخر".

بعض الأفلام والروايات صوّرت الحرب كمسرح للعواطف القوية، مثل فيلم (Casablanca ـ 1942)، حيث يتصارع الحب مع الواجب. وفي حالات الفقر، يصبح الحب ممزوجًا بالمعاناة، إذ يختبر العشاق مدى قدرتهم على التضحية والصبر. كل ما ذكر يعيشه السوريون اليوم. ومع اقتراب عيد الحب الـ"فالنتاين" يواجه العشاق تبعات تلك الظروف، مما يدفعهم في بعض الأحيان إلى التحايل على الأوضاع من خلال البحث عن طريقة لزيادة القدرة المادية بشكل من الأشكال، أو الابتعاد عن تلك الفكرة تجنبًا للضغوط التي قد تفرضها تلك العَلاقة، ما يجعل الحب تحت الاختبار بعد 13 عامًا من الحرب والثورة.

ومع سنوات الحرب والتحولات الاجتماعية التي شهدتها سوريا، تغيرت بعض المفاهيم المتعلقة بالحب والزواج. فالاضطرابات دفعت كثيرين إلى إعادة النظر في الأولويات، وأصبح الحب في بعض الأحيان طوق نجاة وسط الأزمات. كما زادت حالات الزواج المختلط، سواء بسبب الهجرة أو بسبب التغيرات في طبيعة المجتمع.

حب في مستقبل "ضبابي"

"الحب في هذه الأيام ألم حقيقي، وعقباته كثيرة منها صعوبة الوصول للارتباط النهائي أي الخطبة والزواج"، هكذا يصف يوسف (26 عاما) في كلية الهندسة بمحافظة حمص الحب في الوقت الحالي.

أوضح الشاب لموقع تلفزيون سوريا، عن علاقة حب تربطه بزميلة له ضمن الجامعة، وهما في السنة الثانية من علاقتهما التي بدأت بالإعجاب ثم تطورت للحب والحلم ببناء حياة زوجية تربطهم مدى الحياة لاحقًا.

يعاني يوسف حاله كحال معظم الشباب، من الظروف الصعبة في البلاد، ومع اقتراب تاريخ 14 من شباط، تزداد الضغوط لتأمين هدية وموعد غرامي على الرغم من قناعته أن الحب مستمر مع كل يوم وليس له تاريخ محدد ولكن الفتيات تتأثر في هذه الأمور، على حد قوله، "مواقع التواصل الاجتماعي وحياة المشاهير لها دور في التأثير على المجتمع في حين يسعى الشاب السوري لتحسين الوضع المعيشي يظهرون رفاهية عالية في مثل هذه الأعياد من دون تسليط الضوء على ما نعانيه"، هكذا ينظر الشاب لتأثير مواقع التواصل على المجتمع في مثل هذه المناسبات، إذ يرى أن من واجب المؤثرين حث الجيل على البساطة بتقدير الظروف المحيطة وليس إظهار ما لا يصعب على الشاب في الطبقة البسيطة والعاملة تحقيقه.

اقرأ أيضاً

ويوضح أنه ادّخر من مصروفه اليومي عبر الأشهر الماضية من أجل شراء هدية لحبيبته، وأن خطته وضعت بحَسَب المبلغ الموجود لديه وهي عقد بسيط سيقدمه لها بعد طلب الأغنية التي تحبها في مقهى صغير لطالما رغبت في زيارته ليكون هذا اليوم ذكرى جميلة ستبقى معهم.

يرى يوسف أن الهدية تقاس عند الحبيب بالمجهود المبذول لتقديمها وليست بالقيمة المادية لها، وأن الغاية منها الذكرى التي ستتركها في حياة الأشخاص وأن التفاهم والتقدير والمبادرة هو أساس أي عَلاقة عاطفية إن لم توجد في الطرفين فإنها لن تكتمل.

ولا يعتبر يوسف أن الهدية عبئًا كبيرًا، ولكن الوضع الراهن يسبب صعوبة في تأمين المبتغى، وأضاف "اليوم وبعد تغير حال البلد أصبح لدينا أمل في إعادة العمل على المستقبل بالرغْم من ضبابيته ربما سيكون القادم أفضل بحيث يمكننا تأمين جزء مما نحلم".

تمتلئ الشوارع قبل الـ"فالنتاين" بإعلانات تروج لحفلات مطربين، وعروض في المقاهي للعشاق كما ينتشر اللون الأحمر بشكل كبير في أحياء كل مدينة، إضافة إلى عرض المَحَالّ لبضائعها التي تتميز بالورود و"الدباديب" الحمراء وغيرها.

بين المسافات والتضحيات

"أجمل ما في الحب تضحياته" هكذا عبرت إسراء (23 عامًا) وهي طالبة علم نفس في جامعة دمشق لموقع تلفزيون سوريا، عن شعورها نحو ما بذلته لتقدم هدية للشخص الذي تحب.

عملت إسراء في قهوة صغيرة ضمن أحياء دمشق القديمة بدوام جزئي بعد جامعتها، من دون علم عائلتها كونهم بوضع اقتصادي لا يسمح بزيادة مصروفها ولا يمكنها الاقتصاد منه بشكل قطعي لتجد أن هذه الطريقة هي الحل الأنسب.

وقالت" كان الضغط كبيراً خلال شهرين ولكن شعور الفخر بنفسي والحب في داخلي أعطاني دافعًا رائعًا"، أوضحت الشابة أن هديتها ستكون رمزية كون الراتب الذي حصلت عليه ليس بمبلغ كبير، فهي لا تريد هدية بقدر أكثر من هدية حبيبها لها حتى لا يشعر بضعف في قدرته على تأمين ما هو أثمن لها، وستكون هديتها علبة تحتوي حقيبة يد صغيرة وقلم وبعض الأشياء الرمزية التي تبقى مع الزمن كذكريات قد يراها أطفالهم يومًا.

وقالت " اعتدنا السير في أزقة دمشق القديمة، وستبقى هذه الأزقة الملجأ والمكان الذي يجمعنا".

أما يارا (27 عاما) فيختلف شعورها تجاه هذا اليوم الذي سيجعلها حزينة كون حبيبها سافر قبل عام إلى هولندا بحثًا عن مستقبل أفضل بسبب الظروف التي مرت بالبلد لتأمين طريقة تجمعهم في منزل واحد بعد فترة من الزمن.

وأوضحت أنه أول عام في "عيد الحب" يكون بعيدًا عنها منذ 5 سنوات، كانت هدية مازن حبيبها مبلغًا من المال تحصل بواسطته على المستلزمات التي قد تنقصها، بينما هي ستكون غير قادرة على إرسال أي شيء له.

وقالت "وجوده معي بشكل يومي يغنيني عن كل الهدايا، وعندما نجتمع في منزلٍ واحد سنعوض بعضنا عن كل هذه المسافات والوقت ولحظات البعد التي عشناها".

تشهد سوريا منذ سنوات موجة هجرة واسعة للكفاءات وأصحاب الشهادات العليا، حيث يبحث كثيرون عن فرص أفضل هرباً من الظروف الاقتصادية والسياسية المتردية، وتتزايد أعداد المغادرين باتجاه الدول المجاورة أو أوروبا، مع استمرار الأزمات وغياب أفق توجد حلولًا على أرض الواقع.

"لا مكان للحب"

يعد عيد الحب بالنسبة لفئة من الشباب مجرد مشهد بألوان مختلفة يراه في المحال التجارية والمقاهي والطرقات، لا يلتفت إليها المواطن العادي الغارق بأعباء الحياة اليومية وكلفها الاقتصادية الباهظة، التي باتت مرهقةً منذ تدهور أوضاع البلاد، هذه الظروف التي باتت سببًا لاغتيال قصص حب السوريين.

"مهما أحببت فإن وضعي الاقتصادي وسداد ديوني وعملي سيبقى شغلي الشاغل، وعلى هذا لا يمكنني إعطاء العَلاقة احتياجاتها وأنا مشتت بكل تلك الأعباء فاخترت الابتعاد عن الحب".

هكذا يصف يحيى (27 عاما) لموقع تلفزيون سوريا وضعه المتردي الذي يمنعه من الدخول في عَلاقة عاطفية.

كما أوضح الشاب أنه لم يحتفل مسبقًا بهذا اليوم ولا تشغله تلك الترتيبات، وفي حال تحسنت ظروفه بما يساعده على الارتباط سيوضح للفتاة التي يحب أفكاره في هذه الأمور.

اقرأ أيضاً

كما أنه لا يفضل تخصيص يوم محدد للاحتفال بالحب، وأنه يتجه للتميز في تواريخ محددة تربطه مع شريكته أهم من تاريخ يحتفل به معظم الأشخاص، تَبَعاً لـِقناعته فيما يخص عيد الحب.

وبحسب "مؤشر قاسيون لتكاليف المعيشة" مع انتهاء العام 2024، وكل ما حمله من ارتفاعاتٍ كبيرة في الأسعار، وعلى مشارف العام 2025، ارتفع وسطي تكاليف المعيشة لأسرة سورية مكوّنة من خمسة أفراد، ليتخطى عتبة الـ14.5 مليون ليرة سورية (أما الحد الأدنى لتكاليف المعيشة للأسرة السورية فوصل إلى 9,098,483 ليرة سورية). ويجري هذا الارتفاع في التكاليف في وقتٍ لا يزال يرزح فيه السوريون تحت وطأة حدٍّ أدنى للأجر في البلاد لا يتجاوز 278,910 ليرة سورية.

ما أصل عيد الـ"فالنتاين"؟

المعتقد الشائع على نطاق واسع، هو أن القديس فالنتاين كان كاهناً من روما عاش في القرن الثالث ويعتقد أنه توفي عام 270 بعد الميلاد، تبدأ قصة فالنتاين عند حظر الإمبراطور كلوديوس الثاني الزواج في ذلك الحين لاعتقاده بأن الرجال العزاب يخلقون أسطولاً بجنود أفضل.

أخذ القديس فالنتاين وقتئذ على عاتقه ترتيب زيجات للجنود وتنفيذها سراً ليتمكن الأزواج من الاحتفال بحبهم، ولكن الإمبراطور اكتشف الأمر بعد مدة وسجن فالنتاين وحكم عليه بالموت بسبب جريمته.

كما تشير إحدى الروايات إلى أن فالنتاين وقع في حب ابنة سجانه، وفي يوم إعدامه 14 فبراير (شباط) أرسل لها رسالة حب موقعة بـ"حبيبك فالنتاين"، و أعدم في روما ودفن هناك في القرن الثالث.

ويقال إن عيد الحب يعود إلى مهرجان روماني معروف باسم لوبركاليا، ويعتقد أن أول عيد للحب كان في عام 496، وقد أقيم في 15 فبراير بوصفه مهرجاناً مخصصاً للإله فاونس، إله الزراعة الروماني.

وأرادت الكنيسة لاحقًا تحويل هذا المهرجان إلى احتفال مسيحي وقررت استخدامه لتذكر القديس فالنتاين، واستمر مهرجان لوبركاليا لبعض الوقت، لكنه حظر في نهاية القرن الخامس عندما أعلن البابا غيلاسيوس، 14 من شباط يوم القديس فالنتاين.

 



إقرأ المزيد