تلفزيون سوريا - 2/14/2025 6:38:42 AM - GMT (+2 )

بعد عقود من القمع والتضييق الذي مارسه نظام الأسد على منظمة كشاف سوريا، تعود منظمة كشاف سوريا لاستئناف نشاطها بحرية في دمشق، بعيدا عن سيطرة حزب البعث ومنظماته. فقد استولى النظام على مقارها، وحاصر أنشطتها، إلا أن سقوطه أتاح للكشافيين فرصة جديدة لإطلاق مبادرات بيئية وتوعوية وتطوعية إذ يتوجه الأطفال والمراهقون اليوم إلى "الفرقة 24" و"الفرقة 22" بدمشق التابعتين لكشاف سوريا بحماس كبير لممارسة أنشطة مجتمعية وتعاونية كالمساهمة في تأهيل الحدائق وتزيين الجدران وتنظيف الشوارع فضلاً عن بعض الألعاب التي تعزز التعاون والعمل التطوعي.
فما التحديات التي واجهتها منظمة الكشاف تحت حكم نظام الأسد، وكيف تسعى اليوم لاستعادة دورها الفاعل في المجتمع؟
كيف استولى النظام على مقارّ كشاف سوريا؟مع تشكيل اتحاد شبيبة الثورة ذراع حزب البعث الموجه نحو أوساط الشباب والطلبة، ومع حالة الاستيلاء التي فرضها حافظ الأسد على عدد كبير من أملاك السوريين من أراضٍ ومنازل ومكاتب وشركات، صادر اتحاد شبيبة الثورة مقارّ كشاف سوريا تباعاً ومن بينها 5 مقارّ في دمشق ومقارّ في بقية المحافظات.
وأيضا، سيطرت منظمة "طلائع البعث" التابعة لحزب البعث على معسكر الكشاف القائم في منطقة الزبداني والذي حولته إلى معسكر تابع لها، على الرغم من أن أرض المعسكر مسجلة في الطابو باسم كشاف سوريا، كما أوضح حسام يونس قائد "الفرقة 24" وعضو لجنة مفوضية دمشق لموقع تلفزيون سوريا.
وأفاد حسام يونس خلال حديثه بأنّ النظام المخلوع سيطر على مقرين لكشاف سوريا؛ الأول في شارع بغداد وحولها لمقارّ لما يسمى رابطة القنيطرة ومركز تدريب الحواسيب، ومقرّ ساحة الشلال في منطقة المزرعة الذي استولى عليه اتحاد شبيبة الثورة في البداية، ومع انطلاق الثورة السورية وتشكيل ميليشيات الدفاع الوطني بين عامي 2012 و2014 استباحته ميليشيات الدفاع الوطني وتمركزت داخله.
وبدأ التضييق على الكشاف بعد وصول حافظ الأسد إلى الحكم، بحجة أنها منظمة عالمية رافقها اتهامات باحتمالية عمالة هذه المنظمات أو خروجها عن سيطرة التوجهات الحاكمة.
واستنادا إلى هذه الذرائع، بدأت عمليات سرقة التمويل والمساعدات والتبرعات التي كان يتلقاها الكشاف من الجهات الدولية والأهالي والجمعيات المحلية، وأيضاً سرقة ما يرسله المكتب الكشفي العربي في مصر الذي أوقف لاحقاً الحركة الكشفية في دمشق، وأوقف إرسال التبرعات إلى الكشاف في سوريا.
يقول حسام يونس لموقع تلفزيون سوريا: "كانت تقدم بعض المنظمات الدعم، إلى جانب ما كان يرسله إلينا المكتب الكشفي العربي الذي أوقف جميع عمليات التمويل بعد اكتشاف القائمين عليه ما يقوم به النظام من سرقة الأموال، إلى جانب تعرض الحركة الكشفية في سوريا للإيقاف عدة مرات في عامي 1987 و2002".
إلى جانب ذلك، منع النظام المخلوع، حركة الكشاف في سوريا من القيام بأنشطة للأطفال واليافعين داخل المدارس؛ على الرغم من أنها أنشطة تربوية وتوعوية في المجالين الأخلاقي والصحي؛ ويأتي ذلك بغية احتكار الأعمال المتعلقة بالجانبين التربوي والتعليمي الموجهين للأطفال من قبل ما كان يسمى منظمة طلائع البعث التابعة للحزب الحاكم آنذاك. وهو ما جعل عمل المنظمة في تلك الحقبة يقتصر على المناهج التربوية الأخلاقية التي يتم تدرسيها للمنضمين إلى الكشاف "المناهج الكشفية" وبعض الأعمال الفنية والأنشطة الاجتماعية، وفقا لحسام يونس.
إلى جانب ذلك تعرض أعضاء الكشاف لملاحقات أمنية وتضييق للأنشطة حتى أنّ إلصاق صور في الشوارع أو "بوسترات" توعوية أو إعلانات كان يتطلب موافقات أمنية تأتي مع الرفض في كثير من الأحيان مما تسبب بإلغاء معظم النشاطات والفعاليات التي سعى كشاف سوريا إلى إقامتها خلال سنوات حكم النظام ولا سيما في السنوات الأخيرة بعد قيام الثورة السورية.
وفي حادثة يذكرها حسام يونس لموقع تلفزيون سوريا عن منعهم من الاحتفال بعيد الجلاء؛ يوم طوقت عناصر المخابرات ساحة عرنوس حيث أقام كشاف سوريا احتفالاً في ساحة عرنوس وتم طردهم.
يقول حسام مستذكرا الحادثة: "عيد الجلاء هو العيد الوحيد الذي نحتفل به فهو يعبر عن الاستقلال والخلاص بالنسبة إلينا، ولكن في عام 2019 وعندما تجمع الفريق والكورال الموسيقي طوقوا ساحة عرنوس حولنا ومنعونا من إكمال الاحتفال بحجة عدم وجود موافقة أمنية".
أما عن الخلط بين كشاف سوريا واتحاد شبيبة الثورة، فقد رسّخ النظام المخلوع هذه الحالة من خلال تعيينه رؤساء كشاف سوريا من اتحاد شبيبة الثورة نفسه؛ فرئيس اتحاد شبيبة الثورة هو المسؤول عن قيادة الكشاف، في حين يقتصر اختيار الكشاف لأعضائه وقادته ضمن الدوائر الأصغر داخل الكشاف.
أما التمثيل الخارجي للكشاف في الفعاليات والأنشطة الكشفية والدولية، فقد احتكر النظام اختيار الشخصيات التي ستمثل الكشاف وهم أشخاص لا علاقة لهم أصلاً بالكشاف، وقد أوقف المكتب الكشفي العربي في سوريا الدعوات الخارجية بعد معرفته حقيقة الأمر.
ومع بداية الثورة في سوريا، زاد التضييق على الكشاف في سوريا، بالتزامن مع موجة التخوين التي أطلقها النظام لكل المنظمات التي لا تتبع بشكل مباشر لإمرته وسياسته؛ ومنها عندما تسلّم بها الكشاف عملاً تطوعياً بتنظيم العمل داخل مركز إيواء (مدرسة سمية المخزومية) في منطقة المزة، وبعد أن نجح فريق الكشاف بجعل هذا المركز نموذجاً للعمل الإنساني المنظم لخدمة من فقدوا بيوتهم من خلال عمليات النظافة وتنظيم توزيع المساعدات الإنسانية والوجبات والرعاية الصحية ودورات التأهيل للعمل، وضعت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل يدها على المركز وشددت الحراسة عليه مانعة أعضاء كشاف سوريا من الاستمرار بالعمل فيه ولا سيما بعد أن ازداد حجم التبرعات الواردة إلى هذا المركز.
ويقول حسام لموقع تلفزيون سوريا: "لقد تركنا العمل بعد أن بدأت عمليات التسلط والسرقة للمساعدات من قبل الحراسة وموظفي الشؤون الاجتماعية، فتركنا العمل بعد قرار الوزارة بأخذ جميع مراكز الإيواء وجعلها تحت إمرتها بشكل مباشر".
ما هي أهداف كشاف سوريا؟يقوم الكشاف برحلات كشفية ودورات تدريبية والتركيز على حياة الخلاء والطبيعة والتخييم، إلى جانب المسير والرياضة التي لها دور كبير في تنشئة الأطفال. كما يقدم الكشاف تدريبات على الأعمال الفنية والحاسوب والبرمجة والإسعاف والكورال الموسيقي، والتأكيد على فكرة "التعلم بالممارسة" و"القدوة".
ويستقبل الكشاف الأطفال بدءاً من عمر الثامنة وحتى بداية العشرينيات، ويكون التركيز على الفئات العمرية الأصغر من أجل غرس قيم الكشاف التي يقرها "قانون الكشاف" بهم.
وينصّ عهد الكشاف على: "أعاهد بشرفي أن أبذل قُصارى جهدي أن أكون مخلصاً لله والوطن، أساعد الناس في كل حين وأن أعمل بقانون الكشاف".
حال الكشاف بعد التحريريتحدث حسام يونس لموقع تلفزيون سوريا أنهم بدأوا بـ"لملمة الفريق" بعد سقوط النظام، وإعادة وصل العلاقات، وإثبات وجودهم في سوريا من جديد، إذ تمّ تعيين معاذ الحلاق رئيساً لكشاف سوريا، وبدأت فرق الكشاف فعلاً أنشطتها ومخططاتها لخدمة المجتمع.
وعن الخطوات الجارية يقول حسام: "ننسق للعمل مع الدفاع المدني السوري في أنشطة مشتركة، كما أننا تواصلنا مع الإدارة الجديدة للبلاد، ولاقينا ترحيباً منهم".
وكان أحد الأنشطة التي أقامها الكشاف بعد سقوط نظام الأسد نشر ملصقات توعوية تهدف إلى تحفيز الناس للحفاظ على نظافة الشوارع، واتخذت هذه الملصقات شكلاً ساخراً بالاعتماد على صور "الميمز" التي يتم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي.
في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أوضح منفذ فكرة هذه الملصقات في الكشاف بدر عابدين، وهو طالب في كلية الهندسة الكهربائية، أنَّ الفكرة جاءت باقتراح لملصقات تحمل لهجة رسمية وكلمات عامة، ثمَّ عُدلت الفكرة من قبل بعض أعضاء "الفرقة 24" في الكشاف لتكون ذات صيغة لطيفة وبلهجة محببة وقالب ساخر.
يقول بدر: "لقد نفذنا الفكرة وطبعنا الملصقات ووزعناها على الجدران في الشوارع، ولم نكن نعلم أنها ستلاقي قبول الناس بهذا الشكل وسيصورونها وينشرون الصور على مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً، وكنا نهدف إلى توعية أكبر قدر ممكن من الناس".
وأشار بدر إلى أنَّ عدة جهات تواصلت معهم بعد هذه الملصقات، كما أنهم نفذوا فكرة أخرى وهي فكرة أكياس القمامة الورقية التي جرى توزيعها للسيارات من أجل وضع القمامة فيها وعدم إلقاء الأوساخ من نوافذ السيارات في الشوارع.
وأفادت المنظمة بأن فرقها تعمل في المرحلة القادمة على تنفيذ عدة مخططات تطوعية في المجتمع السوري، مثل المساهمة في إعادة تأهيل المدارس والمنشآت الحكومية وأقسام الشرطة في دمشق، وإزالة بقايا نظام البعث من على الجدران، كما يخططون وفق ما ذكر بدر عابدين لتلفزيون سوريا لنصب سارية للعلم السوري فوق قاسيون، وإقامة وقفة شموع للمعتقلين في ساحة الأمويين، إلى جانب إطلاق عدة حملات تشجير في دمشق وريفها.
ويحصل كشاف سوريا على تمويله من جمع التبرعات من الأهالي والمساعدات من المنظمات الدولية، إلى جانب الاشتراكات الرمزية التي يدفعها الأطفال المنتسبين إلى الكشاف بشكل شهري.
مَن هُم "كشاف سوريا"؟كشاف سوريا هي منظمة عالمية تربوية غير ربحية أسست في عام 1907 من قبل اللورد بادن باول وهو مؤسس الحركة الكشفية، وقد وصلت هذه الحركة الكشفية إلى سوريا في عام 1912. وقد نشطت بشكل ملحوظ خلال فترة الاحتلال الفرنسي في العمل الإنساني وتحديداً في حادثة إسعاف النواب المعتصمين في البرلمان بدمشق بعد أن تم قصفهم من الفرنسيين، كما أسهموا ببناء المخيمات الفلسطينية إبان النكبة.
إقرأ المزيد