طقوس راسخة ونفحات رمضانية.. كيف يحتفي السوريون بليلة النصف من شعبان؟
تلفزيون سوريا -

كغيرهم من سكان بلدان العالم الإسلامي، يحتفي السوريون بذكرى النصف من شعبان كل عام. ورغم تشابه طقوس الاحتفال أو تباينها بين مدينة وأخرى، إلا أن الإجماع على إحياء هذه الليلة من خلال ارتياد الجوامع الكبرى، وإقامة الصلوات، وحلقات الذكر، والأدعية، وصيام نهارها، هو أمر تتفق عليه الغالبية.

لن نتوقف عند الحديث عن الاحتفال بالنصف من شعبان في مدينة بعينها، بل سندخل إلى البيوت السورية لنستمع إلى آراء البعض وذكرياتهم حول هذا اليوم.

إذ يبدو أن السوريين لا يستندون في احتفالهم هذا إلى نص ديني مثبت، بل إن الالتزام بالتقليد المجتمعي المحافظ هو العامل الأقوى في استمرار هذه الاحتفالات، وذلك بحسب لؤي كوسا (75 عاماً) من أهالي مدينة دمشق.

يقول لؤي لموقع "تلفزيون سوريا" إنه "منذ طفولتي، كنت أسمع عبارة (قوموا ليلها وصوموا نهارها)، وهي حديث شائع بين جميع السوريين، بمن فيهم عائلتي. لم تكن الحياة منفتحة كما هي اليوم لنتمكن من البحث أو السؤال عن مدى وجوب الاحتفال أو صحة هذا النص الديني، فكان مرجعنا الوحيد هو الأهل، وشيخ الحارة في أحسن الأحوال".

تمهيد لرمضان

تنحدر سميرة (47 عاماً) من عائلة تعود أصولها إلى مدينة مورك في ريف حماة الشمالي، وتقيم اليوم في مدينة كركخان التركية. وتشير إلى أن هذا اليوم "مميز لدى أهالي القرية كافة، بالإضافة إلى محيطهم من القرى المجاورة".

وتوضح أن أهالي مورك، كغيرهم من السوريين، يعتبرون ليلة النصف من شعبان إعلاناً لاقتراب شهر رمضان، حيث يحيي الرجال الليلة في المساجد، بينما تقيمها النساء في البيوت، ويحرصن على تعليم أطفالهن أهمية هذا اليوم، في حين يكون الجميع صائمين.

وتضيف سميرة، في حديثها لموقع "تلفزيون سوريا"، أنه "نوزع في هذا اليوم حلاوة المحيا، التي تُعد أساسية في مناطق حماة وريفها، كما نحضر مائدة متنوعة شبيهة بموائد رمضان، مليئة بأشهى الأطعمة".

هذا ما تؤكده أيضاً ريما (45 عاماً) من مدينة الرستن، والتي تتمنى أن يعيد الله هذه الذكرى على السوريين بالخير، وتقول "يصوم بعض أهالي الرستن ثلاث ليالٍ: ليلة النصف من شعبان، والليلة التي تسبقها، والتي تليها. أما المائدة، فتكون متنوعة وتعد مقدمة لموائد رمضان، وتتضمن حلويات خفيفة، مثل الهريسة الاسفنجية أو النمورة".

وتضيف ريما "كان والدي، رحمه الله، يشتري السكاكر ويجلس أمام المنزل ليوزعها على المارة، وعندما يذهب إلى المسجد يملأ جيوبه بها ليوزعها على المصلين، مردداً (اكسب الصلاة على النبي)".

أما عن إحياء تلك الليلة في البيوت، فتقول ريما "كنا نجتمع حول المسبحة الألفية، نسبح ونذكر الله جماعياً".

اقرأ أيضاً

ليلة فضيلة في حلب

في مدينة حلب، تتزين الشوارع بالأعلام واللافتات الدينية مع مطلع الأسبوع الثاني من شعبان، وتزداد الأجواء الروحانية مع اقتراب ليلة النصف.

تقول نور (28 عاماً)، من أهالي مدينة حلب، "يتفق الحلبيون على طقس موحد في هذا اليوم، فالجميع يصوم، ويتهادون حلوى المعروك، التي تعد من الحلويات الرمضانية الشهيرة في سوريا".

وتصف نور لموقع "تلفزيون سوريا" هذه الليلة بأنها "تشبه ليالي رمضان، حيث يتعامل معها أهالي المدينة باعتبارها ليلة فضيلة مليئة بالرحمة والتراحم، ويحرصون فيها على صلة الرحم والتودد فيما بينهم".

اقرأ أيضاً

نكهة خاصة في حماة

فضلاً عن تزيين الشوارع بالعبارات الدينية، وانتشار "حلاوة المحيا" في كل أرجاء المدينة، فإن ليلة النصف من شعبان تتجاوز كونها مناسبة دينية، لتصبح مناسبة اجتماعية تعزز صلة الأرحام، حيث يزور الأخ أخته، والأب ابنته، حاملين معهم "حلاوة المحيا".

تقول سناء (47 عاماً)، من حي الأميرية في حماة "حلاوة المحيا تصل إلى الفقراء عبر أشخاص يتعهدون بإيصالها إليهم من الأغنياء"، وتضيف أنه "أكاد أجزم أنه لا يوجد بيت حموي لا تدخل إليه هذه الحلوى. كما أنها توزع على أرواح الأموات بكميات كبيرة، فأخي مثلاً يشتري كل عام حوالي 50 كيلو ويوزعها عن روح والدينا، رحمهما الله".

وتشير سناء إلى أن "ظاهرة إحياء الليلة وتوزيع الحلوى تقلصت خلال السنوات الأولى للثورة السورية بسبب التضييق والتشديد الذي مارسته قوات النظام البائد، لكنها عادت للانتشار مؤخراً، حتى إن الحمويين يرسلونها إلى أبنائهم المغتربين خارج سوريا".

وتؤكد سناء أنه "في هذا العام، بعد نيل سوريا، ومدينة حماة تحديداً، حريتها، أتوقع أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان سيكون له طعم جديد، أشد حلاوة من حلاوة المحيا".

اقرأ أيضاً

"حلاوة المحيا" بلمسة حمويّة

كان الناس يحتفون بليلة النصف من شعبان بتزيين الشوارع، بينما تتصدر صور الكعبة المحال التجارية التي تضاء بالأنوار، وتصدح منها الأناشيد الدينية منذ مطلع الأسبوع الثاني من شعبان.

يقول العم أبو فهد قنبر، وهو صاحب محل حلويات في حماة "أيام المحيا لها بهتة حلوة"، في إشارة إلى أن هذا اليوم مميز ويُعد حدثاً مهيباً. ويؤكد أن مدينة حماة هي الأشهر في الاحتفال بهذه المناسبة.

وفي حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، يشرح العم أبو فهد تفاصيل "حلاوة المحيا" التي تتميز بها حماة، قائلاً "قديماً، كانت هذه الحلوى تقتصر على اللونين الأحمر والأبيض، ثم بدأ أصحاب المحال بتطويرها شيئاً فشيئاً، لتشمل أنواعاً أخرى، مثل البشمينا، والمطبقة، والغريبة، والمعمول، وكلها تندرج تحت اسم المحيا".

ويشير أبو فهد إلى أن "أجواء بيع حلاوة المحيا في يوم النصف من شعبان تتخللها احتفالات دينية في أغلب المحال"، ويضيف أنه "في موسم محيا شعبان، يقتصر بيع الحلويات على حلاوة المحيا منذ بداية الشهر، ويقل إنتاج الأصناف الأخرى، وينتهي هذا الموسم بانتهاء اليوم نفسه، إلا أنه في الوقت الحالي قد يستمر بيعها حتى بداية شهر رمضان".

اقرأ أيضاً

نصف شعبان أم "الفلانتاين"

في هذا العام، يتزامن هذا اليوم من شعبان مع الرابع عشر من شباط، اليوم الذي بات معروفاً بعيد الحب، ويرى حسن عبد الله، وهو أب لثلاثة شبان، أن هذا العيد أصبح التركيز عليه واسعاً من قبل فئة الشباب في السنوات الأخيرة".

ويتسائل حسن، وهو مدرّس للمرحلة الإعدادية في دمشق، "أيهما الأجدر بنا كأهل، أن نشجع أبنائنا على الاحتفال بعيد يشبههم ويشبه بلاداً تربوا وتربى فيها آبائهم وأجدادهم، أم نتركهم للاحتفال بأعياد صُدّرت لهم".



إقرأ المزيد