تلفزيون سوريا - 2/14/2025 7:30:55 AM - GMT (+2 )

سوريا، على مدار تاريخها، كانت عنصراً محورياً في تعزيز وحدة العرب ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية. ولكن الحقبة التي حكم فيها الطاغية بشار الأسد شهدت تحولاً جذرياً في هذا الدور، وخاصة بعد اندلاع الثورة السورية، التي ألقت بظلالها على استقرار البلاد وأثرت بشكل كبير على مكانتها في المعادلة العربية والدولية.
مع إسقاط النظام السابق، أصبحت سوريا في حالة من الضبابية السياسية والاقتصادية، ما جعلها عرضة لصراع العديد من المشاريع الإقليمية والدولية التي تتنافس على ملء الفراغ الذي خلفته الأزمة. هذه التغيرات أظهرت بوضوح الحاجة الملحة لإعادة سوريا إلى محيطها العربي، ليس فقط لصالح سوريا نفسها، ولكن أيضاً من أجل تعزيز وحدة الصف العربي والدفاع عن مصالحه بما يحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
إن استعادة سوريا لموقعها الطبيعي في قلب العالم العربي، خاصة بعد تراكمات هذه الأزمة العميقة، تظل ضرورة استراتيجية لتوحيد الجهود العربية وإعادة تأكيد الدور الفاعل لسوريا في استقرار المنطقة ونموها. ففي ظل التصريحات الواضحة والصريحة للرئيس الانتقالي “أحمد الشرع “، التي رسمت خارطة طريق للسياسة الخارجية، أكدت بشكل واضح وصريح، على أهمية العلاقات العربية، لا سيما مع دول الخليج، حيث يصبح من الواضح أن إعادة بناء الثقة بين سوريا والدول العربية تشكل خطوة ضرورية لإعادة استقرار المنطقة. كما أضاف أحمد الشرع أن "الثورة السورية انتهت مع سقوط النظام، ولن يُسمح بتصديرها إلى أيّ مكان آخر، فسوريا لن تكون منصَّة لمهاجمة أو إثارة قلق أي دولة عربية أو خليجية مهما كان، بل تسعى لبناء علاقات استراتيجية فاعلة مع الدول العربية.
التغيرات الحالية أظهرت بوضوح الحاجة الملحة لإعادة سوريا إلى محيطها العربي، ليس فقط لصالح سوريا نفسها، ولكن أيضاً من أجل تعزيز وحدة الصف العربي والدفاع عن مصالحه بما يحقق الاستقرار السياسي والاقتصادي.
إن عودة سوريا إلى الصف العربي تمثل فرصة تاريخية يجب استثمارها بشكل إيجابي وفعال من قبل الدول العربية، وخاصة دول المشرق العربي. فالمملكة العربية السعودية، بحكم موقعها وثقلها الاقتصادي في العالم العربي والساحة الدولية، تتحمل مسؤولية كبيرة في دعم سوريا لإعادة إعمارها واستعادة استقرارها. في هذا السياق، يمكن لدولة قطر أيضاً أن تلعب دوراً محورياً في تنشيط الاقتصاد السوري والمساهمة في حل العديد من التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد. إضافة إلى ذلك، يمكن للإمارات العربية المتحدة تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين سوريا ودول الخليج، مما يسهم في استعادة سوريا لدورها الحيوي في العالم العربي والمنطقة، حيث تمثل سوريا بوابة العرب إلى القارة الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط بحراً، وعبر تركيا براًـ
بعد سنوات من الحرب والدمار، تحتاج سوريا إلى دعم وسخاء اقتصادي عربي لتجاوز أزمتها وتحقيق استقرار طويل الأمد. ورغم أن الوضع في سوريا لا يزال غير مستقر، فإن هناك فرصاً هائلة للإصلاح الاقتصادي.. ولتحقيق ذلك، يتطلب الأمر خطوات عملية لتأهيل القطاعات الاقتصادية والحكومية التي تعاني من التخلف والترهل والتدهور.. وهذا بالطبع يستدعي شراكات عربية ودولية فعّالة، إذ يمثل التعاون الاقتصادي مع الدول العربية، ركيزة أساسية لتحقيق هذا التقدم. علاوة على ذلك، فإن التحالفات الاقتصادية التي تعتمد على الاستثمار في القطاعات الأساسية مثل النفط والزراعة والطاقة يمكن أن تسهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري وتعزيز قدرة الدولة على استعادة مكانتها السياسية والاقتصادية في المنطقة.
إن العودة إلى تعزيز العلاقات بين سوريا والدول العربية تشكل فرصة جديدة للعرب لدعم سوريا في مرحلة ما بعد الحرب. إذ إن التحفظ والابتعاد عن سوريا أو تجاهلها، يعني تركها عرضة للمشاريع المتصارعة في المنطقة، مما يعكس سلباً ويزيد الأمور سوءا على الأمن العربي والإقليمي، لذلك من الضروري أن تتخذ الدول العربية، خصوصاً الخليجية منها، المبادرة لتسريع عملية التنسيق والتعاون مع سوريا لمواجهة التحديات المشتركة.
علاوة على الفوائد الاقتصادية والسياسية، فإن عودة سوريا إلى عمقها العربي تحمل أهمية استراتيجية في التصدي للسياسات الإسرائيلية التوسعية والعدوانية. فالتعاون العربي يمكن أن يسهم في تشكيل لوبي عربي قوي يدعم سوريا في الساحة الدولية من خلال الضغط السياسي القائم على فضح الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في الأراضي السورية.
إضافة إلى ذلك، فإن التنسيق والتفاهم السياسي العربي تجاه سوريا، يشكل ضغطاً على الإدارة الأميركية القادمة بقيادة الرئيس دونالد ترمب، مما قد يعزز فرص الضغط على القوات الإسرائيلية للانسحاب من الأراضي السورية. كما يمكن لهذا التفاهم أن يسهم في إقناع الرئيس الأميركي بإعادة تقييم وجود القوات الأميركية في سوريا، وبالتالي الضغط على الأكراد للدخول في العملية السياسية، مما يسهم في تسريع انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية. وبالتالي، تحقيق وحدة الأراضي السورية واستعادة سيادتها على كامل ترابها الوطني.
استعادة سوريا لدورها المحوري في المنطقة يعزز من قوة العرب في مواجهة التحديات المستقبلية ومصيرهم وأمنهم المشترك، وخاصة التصدي لمشروع الكيان الإسرائيلي القائم على التوسع والاحتلال، الذي يهدد الاستقرار الإقليمي والأمن القومي العربي.
إن إسقاط النظام البائد في سوريا، قد حقق مكسباً هاماً للأمن القومي العربي، إذ أسهم في إخراج إيران وأذرعها من سوريا، إضافة إلى إغلاق آفة خطيرة نشرها طاغية النظام المخلوع، حين حول سوريا والمنطقة إلى مسرح للجريمة وزراعة المخدرات وتصديرها إلى دول الجوار، وخاصة الخليجية.
لا شك أن هناك بعض التحفظات لدى شرائح من الشعب السوري بشأن أسلوب إدارة العهد الجديد، إلا أنه من المهم أن ندرك في الوقت ذاته صعوبة وخطورة الظروف الانتقالية التي تمر بها السلطة. لذلك، لابد من تجنب لغة التصعيد والتحدي والمواجهة بشأن تلك التحفظات، بل يجب اعتماد لغة الحوار الحكيم وصولاً إلى المشاركة الفعّالة في المؤتمر السوري الوطني المزمع عقده قريباً في دمشق والذي من المنتظر أن يؤسس لعقد اجتماعي جديد يضمن مشاركة مختلف مكونات الشعب السوري في بناء سوريا الجديدة.
في النهاية، إن استعادة سوريا لدورها المحوري في المنطقة يعزز من قوة العرب في مواجهة التحديات المستقبلية ومصيرهم وأمنهم المشترك، وخاصة التصدي لمشروع الكيان الإسرائيلي القائم على التوسع والاحتلال، الذي يهدد الاستقرار الإقليمي والأمن القومي العربي، انطلاقًا من الأراضي السورية باتجاه الدول العربية الأخرى. لذا، لا بد من تمتين العلاقات الاقتصادية، الثقافية والسياسية بين سوريا والدول العربية بشكل عاجل وعلى أسس متينة، لتشكيل سدّ منيع أمام محاولات تحقيق مشروع الكيان الإسرائيلي الذي يطمح إلى التوسع من النيل إلى الفرات.
لذلك، لا بد من وضع خطط استراتيجية واتفاقيات ومعاهدات شاملة وعادلة ومتوازنة، تضمن التنسيق العربي في سوريا، وليس التنافس والتناحر في الساحة السورية، لتجنب الانزلاق مجدداً في أتون الصراعات والتحديات الجانبية التي قد تضر بالاستقرار العربي. اليوم، يملأ الشعب السوري الأمل والبهجة بعودة سوريا إلى عمقها العربي، مما يعزز قدرة العهد الجديد على التوجه بكل ثقة وطمأنينة نحو هذا العمق. وهذا التوجه لن يلبي فقط طموحات وآمال الشعب السوري في استعادة دوره العروبي، بل يمثل أيضاً الأمل في انسحاب جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية من دون استثناء. ومن خلال هذا التوجه، سيتمكن الشعب السوري بالتعاون مع عمقه العربي من بناء دولة مستقرة وآمنة، تكون نقطة انطلاق جديدة، وأملا متجددا بتحرير الاراضي العربية المحتلة وبناء مستقبل عربي طموح وواعد.
شارك هذا المقال
إقرأ المزيد