تلفزيون سوريا - 3/13/2025 6:52:49 PM - GMT (+2 )

على أطراف مجرة بعيدة، حيث لم تطأ قدم بشرية من قبل، يدور كوكب أزوران بهدوء في مداره. لم يكن هذا الكوكب مثل غيره؛ فهو لم يكن مجرد كتلة صخرية عائمة في الفضاء، بل كان حيًا، ينبض بالحياة، يتحدث مع نفسه، ويُراقب سكانه المسالمين من النباتات والحيوانات التي عاشت عليه بتناغم منذ ملايين السنين.
لم يعرف سكان أزوران الحرب، ولم يعرفوا الجشع، ولم يبنوا مصانع تنفث الدخان في السماء، ولم يحفروا في قلب الأرض بحثًا عن وقودٍ يستهلكونه. كانت الأشجار تتحدث مع الريح، وتغني الأنهار للجبال، وكان كل شيء على الكوكب يعيش وفق إيقاع طبيعي لا يخل به شيء... حتى جاء البشر.
وصول الطارئينفي أحد الأيام، اخترق جسم معدني السماء الزرقاء للكوكب، مشعًا بريقًا غريبًا. كان ذلك مركبة فضائية بشرية، أرسلتها الأرض بحثًا عن كواكب جديدة للاستعمار. عندما هبطت المركبة على السهول الخضراء، خرج منها البشر بكامل معداتهم، مرتدين بدلاتهم الواقية، ينظرون حولهم بدهشة وكأنهم وجدوا كنزًا مخفيًا.
- "يا إلهي! هذا الكوكب مثالي!" صرخ أحدهم بحماس.
- "المناخ مناسب، الأرض خصبة، لا يوجد أي تهديد... سيكون هذا موقعًا رائعًا لمستوطنة جديدة".
بدأ البشر في قياس التربة، وأخذ عينات من الماء، ووضعوا أعلامهم المعدنية التي تعلن عن ملكيتهم للكوكب، وكأنهم اكتشفوه للتو، متجاهلين تمامًا أنه كان عامرًا بالحياة قبل قدومهم بآلاف السنين.
لكن ما لم يدركوه هو أن الكوكب كان يراقبهم... وكان غاضبًا.
***
الكوكب يتحدثفي البداية، حاول أزوران فهم هؤلاء الزوار. راقبهم وهم يسيرون في غاباته، يقطعون الأشجار لأخذ عينات، ويدوسون على أزهاره دون اكتراث، ويستخدمون أدواتهم المعدنية لاختبار صخور الجبال.
ثم بدأ يشعر بالخطر.
عندما بدأ البشر في نصب معداتهم الثقيلة، وبناء مراكز بحثية مؤقتة، شعر الكوكب بأن الدمار قد بدأ. لقد شاهد هذا السيناريو من قبل، عندما اقتربت منه موجات من الإشارات الفضائية القادمة من الأرض، حاملةً صورًا لكواكب أخرى دمرها البشر بأنفسهم.
لم يكن بحاجة لمزيد من الأدلة. البشر خطرٌ على كل ما هو حيّ.
وفي تلك اللحظة، قرر الكوكب طردهم.
التحذير الأولفي صباح اليوم التالي، وبينما كان العلماء مشغولين بفحص عيناتهم، اهتزت الأرض تحت أقدامهم. لم يكن زلزالًا، بل كان شيئًا أكثر غرابة... كان صوتًا، صوتًا عميقًا، قادمًا من كل مكان، كأنه ينبعث من قلب الكوكب نفسه.
- "أنتم لستم مرحبًا بكم هنا".
تجمد الجميع في أماكنهم. تبادلوا نظرات القلق، متسائلين إن كان أحدهم قد قال ذلك. لكن الصوت تكرر، هذه المرة بصوت أكثر وضوحًا:
- "لقد رأيت ما فعلتموه بعالمكم، ولن أسمح لكم بإفساد عالمي".
صمت مطبق خيم على المكان، ثم انطلقت همسات مرتعشة:
- "هل... هل سمع الجميع هذا؟"
- "هل يعقل أن يكون الكوكب... يتحدث؟"
لكن البشر، كعادتهم، لم يتراجعوا بسهولة. بعضهم ظن أن الصوت مجرد ظاهرة جيولوجية غريبة، وآخرون اعتبروه نوعًا من الذكاء الصناعي الطبيعي الذي يمكنهم دراسته.
لكن القائد، وهو رجل لم يكن ليخاف حتى لو خرج له وحش من باطن الأرض، قال ببرود:
- "نحن هنا في مهمة علمية، ولن نغادر لمجرد أن الكوكب يحاول إخافتنا."
فواصلوا عملهم. نصبوا آلاتهم، وبدأوا بالحفر، وحاولوا تثبيت أقدامهم في أرض ليست لهم.
لكن أزوران لم يكن ليقبل التحدي.
***
غضب الكوكببدأت الرياح تعصف بعنف، والأشجار تشتد جذوعها حتى أصبحت كالأذرع المتشابكة تمنع التقدم. الأنهار، التي كانت تتدفق بهدوء، بدأت ترتفع وتهدر بغضب، والأرض نفسها بدأت تتغير تحت أقدامهم، تتحرك مثل بحر هائج، تدفعهم بعيدًا.
ثم، في لحظة مفاجئة، بدأت معداتهم المعدنية تذوب، والأسلاك تحترق، والأجهزة تتوقف عن العمل. كان الكوكب يمتص الطاقة منها، يعيدها إلى طبيعته، يرفض أن يُسخَّر للخراب.
لم يعد أمام البشر خيار. أدركوا أن البقاء هنا مستحيل، وأن الكوكب نفسه قد أعلن الحرب عليهم. صعدوا إلى مركبتهم على عجل، يتعثرون في طريقهم، محاولين فهم ما حدث.
- "لم يسبق لنا أن واجهنا شيئًا كهذا... إنه كوكب حيّ!"
- "لنعد إلى الأرض، لنخبرهم أننا وجدنا مكانًا لا يريدنا!"
ومع دوي المحركات، ارتفعت المركبة الفضائية في السماء، متجهةً بعيدًا، عائدة إلى عالمها القديم.
عودة الهدوءعندما غادر البشر، عاد أزوران إلى هدوئه. توقفت الرياح، هدأت الأنهار، وعادت الغابات لتنمو كما كانت. الحيوانات، التي كانت قد اختبأت خوفًا من الغرباء، خرجت مرة أخرى، تستكشف الأرض التي كادت تُسرق منها.
ثم، بصوت خافت، همس الكوكب لنفسه:
- "لقد أخطأت الكواكب الأخرى حين سمحت لهم بالبقاء. أما أنا... فلن أكرر نفس الخطأ".
ومنذ ذلك اليوم، ظل كوكب أزوران مجهولًا في الخرائط البشرية، لا يظهر على أي رادار، ولا يمكن لأي مركبة فضائية أن تقترب منه. فقد قرر هذا الكوكب أنه لن يسمح للبشر بأن يدمروا جماله… كما دمروا كوكبهم.
إقرأ المزيد