عنب بلدي - 5/25/2025 10:11:08 AM - GMT (+2 )

عنب بلدي – خالد الجرعتلي
أخّرت مطالب “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من الحكومة السورية الجديدة مسار المفاوضات بين الجانبين، لكن اتفاق آذار الماضي، بينهما، أوحى أن الإشكالية قد حُلّت، في حين استمرت تحركات “قسد” ومطالبها بوجودها ككتلة عسكرية واحدة داخل الجيش السوري الجديد.
وبينما يُفترض أن تتجه “قسد” نحو الاندماج في مؤسسات الدولة السورية، تستمر بتحركات عسكرية وعمليات التجنيد، وتخريج الدورات العسكرية، ما يُثير تساؤلات جدّية حول مستقبل الاتفاق بينها وبين دمشق.
الاتفاق الذي جمع عبدي بالشرع، في آذار الماضي، نصّ على دمج “قسد” ضمن وزارة الدفاع، وضم “الإدارة الذاتية” إلى المؤسسات الرسمية للدولة، لكنه لم يوقف الأنشطة العسكرية التقليدية لـ”قسد”.
ورُصد منذ توقيع الاتفاق تزايد في عمليات التدريب وإعلانات الانتساب وتخريج الدورات العسكرية، ما يظهر ملامح تمسك من قبل “قسد” بهيكلها العسكري الحالي، على الرغم من المسار المعلن نحو الاندماج مع الجيش السوري.
نشاطات مكثفة على الأرضعقب 13 يومًا فقط بعد توقيع الاتفاق بين الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، والقائد العام لـ”قسد”، مظلوم عبدي، أطلقت “قسد” تدريبات عسكرية مكثفة في الحسكة، في 23 من آذار الماضي، ما اعتُبر آنذاك إشارة واضحة على أن الاتفاق لم يوقف أو يجمّد.
لاحقًا، وتحديدًا في 14 من نيسان الماضي، أعلنت قيادة الأكاديميات العسكرية التابعة لـ”قسد” في منطقة الفرات عن افتتاح دورتين تدريبيتين في مدينة الرقة في حين كانت المفاوضات لا تزال في بداياتها حول آلية الدمج وتسليم الصلاحيات.
في 5 من أيار الحالي، نشرت “قسد” إعلانًا ترويجيًا يدعو الشباب إلى الانتساب لقوات الحماية الذاتية، استخدمت فيه لغة تعبويّة واضحة جاء فيها: “من أجل وطن ينعم بالأمن والاستقرار، كن السند الحقيقي لأرضك وشعبك (…) كن جزءًا من درع الوطن الحصين”.
أيضًأ في 13 من أيار، أعلنت “قسد” عن تخريج دورتين عسكريتين جديدتين في مدينة الطبقة، عبر “قوات جبهة الأكراد” التابعة لها، وضمت 70 مقاتلًا. الإعلان جاء مترافقًا مع تصعيد في الخطاب الإعلامي عن التهديدات الأمنية المستمرة، خصوصًا من قبل تركيا.
في 18 من الشهر نفسه، نشرت “قسد” إعلان انتساب جديد بعنوان مباشر: “كن مقاتلًا في قوات سوريا الديمقراطية لتشارك في بناء مستقبل سوريا الحديثة”، ما يعكس توجهًا سياسيًا وعسكريًا للاستمرار في التوسع التنظيمي، مع التركيز على منح الشباب دورًا في صياغة مستقبل الإقليم.
وفي 21 من أيار، أعلنت أكاديمية “الشهيد جايان” التابعة لـ”قسد” تخريج دورة خاصة للقوات الخاصة ضمّت 64 مقاتلًا، ما يرفع عدد المقاتلين الذين أعلنت “قسد” عن تخريجهم منذ آذار الماضي إلى أكثر من 130 عنصرًا، بخلاف المجندين الجدد قيد التدريب.
“قسد” تُعيد الهيكلة وتُعزز موقفها التفاوضيلا يزال المشهد العام فيما يتعلق باتفاق الشرع- عبدي ضبابيًا، إذ لم تخرج عنه الكثير من التفاصيل حتى اليوم، في وقت تتقدم فيه الأطراف ببطء، وتشكو من خروقات يتبادل فيها الطرفان الاتهامات.
وتتهم “الإدارة الذاتية” الحكومة السورية الجديدة بأنها “إقصائية”، رغم أنها تحاول التوصل لتفاهم معها، في وقت تعتبر فيه الحكومة أن مطالب “قسد” تهدد وحدة البلاد.
يرى الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نوار شعبان، أن استمرار “قسد” في تجنيد المقاتلين وتنظيم الدورات التدريبية، يعكس رغبة واضحة في الحفاظ على تماسكها الداخلي، وتقديم نفسها كقوة موحدة وقادرة على الدفاع عن مناطق سيطرتها، في ظل المتغيرات السياسية والعسكرية.
وقال الباحث لعنب بلدي، إن هذه التحركات ليست فقط لإعادة بناء القدرة البشرية، بل تُعد أيضًا محاولة لتعزيز أوراق الضغط على طاولة المفاوضات مع الحكومة السورية، خصوصًا أن “قسد” تسعى للدخول ككتلة موحدة إلى بنية الجيش السوري دون تفكيك.
وعلى مدار الأشهر الماضية، طالبت “قسد” بالاندماج بوزارة الدفاع السورية ككتلة عسكرية واحدة، تتمركز في المناطق التي تسيطر عليها حاليًا، وهو ما رفضته الحكومة بشكل متكرر خلال الأشهر الماضية.
ولفت الباحث شعبان إلى أن الخلاف بين الطرفين لا يزال قائمًا، خاصة فيما يتعلق بالسلاح والقيادة، إذ تصر “قسد” على الاحتفاظ بسلاحها، بينما ترفض دمشق أي صيغة تسمح بوجود كيان عسكري مستقل داخل الجيش النظامي.
شعبان قال إن استمرار “قسد” بأنشطتها العسكرية هو بمثابة “خطة بديلة”، تحسبًا لفشل الاتفاق أو تعثر تنفيذه، خاصة في ظل استمرار التهديدات الأمنية من تنظيم “الدولة الإسلامية” والضغوط التركية.
مساعٍ لضمان البقاءبعد خروج أول صورة جمعت بين الشرع وعبدي في 10 من آذار الماضي، نشرت رئاسة الجمهورية نص الاتفاق على وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية، ودمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما فيها المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز.
وفق النص الذي جاء في ثمانية بنود، اتفق الجانبان على رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين جميع مكونات المجتمع السوري.
وقال الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أسامة شيخ علي، لعنب بلدي، إن بنود الاتفاق بين “قسد” والحكومة السورية لا تزال عامة، وإن النقاش حول التفاصيل الدقيقة لم يبدأ فعليًا بعد، ولهذا السبب تشكلت لجان متابعة.
وأوضح أن “قسد” لم توافق على حل قواتها، بل اقترحت أن يتم دمج هذه القوات ضمن الجيش السوري، عبر تشكيل فيلق أو فرقتين عسكريتين تتبعان رسميًا للجيش، لكن تبقيان بهيكل تنظيمي خاص.
ويرى شيخ علي أن هذا الطرح يُعد نقطة تفاوضية بالغة الأهمية، إذ لا تسعى “قسد” إلى التخلي عن هياكلها، بل إلى إعادة توظيفها ضمن إطار رسمي يضمن بقاءها وتأثيرها.
ولفت إلى أن عمليات التجنيد والتدريب الجارية على يد “قسد” شمال شرقي سوريا، إلى جانب استمرار الدعم الأمريكي لـ”قسد” في جهود مكافحة تنظيم “الدولة”، تمنح الأخيرة هامشًا أوسع للمناورة، وقدرة أكبر على الاستمرار دون الالتزام الصارم بخطوات الدمج الفوري.
واعتبر الباحث أن الرسائل التي تحاول “قسد” إيصالها لحاضنتها الشعبية تتمثل في التأكيد على أنها “لا تزال قوية”، ولن تذوب في المؤسسة العسكرية السورية، بل ستكون جزءًا فاعلًا فيها بشروطها، لا كأفراد منفصلين.
اندماج ظاهريفي ظل استمرار التحركات العسكرية وعمليات التجنيد، يعتقد الباحثان أن “قسد” تتبع استراتيجية مزدوجة: السير في مسار سياسي معلن نحو الدمج، مع الإبقاء على قدراتها العسكرية والتنظيمية قائمة ومتصاعدة.
وبينما تسعى دمشق لتفكيك الهياكل العسكرية المستقلة، تتجه “قسد” نحو تكريس واقع عسكري يصعب تفكيكه، مستندة إلى الدعم الخارجي، وواقع السيطرة الفعلية على الأرض.
يبقى تنفيذ الاتفاق مرهونًا بقدرة الطرفين على تجاوز الخلافات حول القيادة والهيكلة، وهو ما لا يبدو قريبًا في المدى المنظور، وسط إصرار كل طرف على تثبيت مكاسبه قبل أي خطوة نهائية.
مرتبط
إقرأ المزيد