“التحقيق الدولية”: نوبات العنف المتكررة أدت إلى تقليص قدرة السلطات السورية
عنب بلدي -

قال رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، باولو سيرجيو بينهيرو، إنه على الرغم من الخطوات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة نحو بناء الدولة، إلا أن نوبات العنف المتكررة والمقلقة أدت إلى تقليص التفاؤل بشأن قدرتها على وضع حد لدورات العنف المتجذرة في سوريا.

الحكومة السورية منحت فريق محققي اللجنة حرية الوصول إلى مناطق مختلفة من سوريا، ففي حزيران الماضي، أجرت زيارات ميدانية إلى اللاذقية وطرطوس، ومؤخرًا إلى السويداء والمناطق المحيطة بها، حسبما أوضحه بينهيرو في تقرير أمام الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس 30 تشرين الأول.

وأكد أنه فريق اللجنة تمكن زيارة مدينة السويداء والمناطق الريفية من السويداء التي تضررت بشدة من أعمال العنف التي وقعت في تموز الماضي، ومقابلة الضحايا في والناجين والشهود على هذه الأحداث المروعة.

فريق اللجنة شهد بشكل مباشر مستوى الدمار في عشرات القرى في المناطق ذات الأغلبية الدرزية في غرب السويداء، وتم إخلاء أكثر من 30 قرية بالكامل تقريبًا من سكانها، ونهبها وحرقها، ولا تزال جثث العديد من القتلى في عداد المفقودين، وهناك أعداد كبيرة، بالمئات، من بين المفقودين.

والتقى محققو اللجنة بالعديد من العائلات والشهود الذين رووا عمليات القتل الوحشية لأفراد العائلات الذين أُخذوا من منازلهم.

إن الاحتياجات الإنسانية للنازحين، من “الدروز” و”البدو” على حد سواء، هائلة وتتطلب تحركًا عاجلًا مع اقتراب فصل الشتاء.

ولم تقتصر آثار أحداث تموز الماضي على آثار جسدية فحسب، بل تسببت في تفاقم انعدام الثقة بين المجتمعات والحكومة المؤقتة، الأمر الذي يتطلب جهودًا سريعة وملموسة لمحاسبة الجناة وإجراء الإصلاحات اللازمة لضمان عدم تكرار مثل هذه الأعمال.

وبدأت أحداث السويداء، في 12 من تموز الماضي، بعد عمليات خطف متبادلة بين سكان حي المقوس في السويداء، ذي الأغلبية البدوية وعدد من أبناء الطائفة الدرزية، تطورت في اليوم التالي إلى اشتباكات متبادلة.

تدخلت الحكومة السورية، في 14 من تموز، لفض النزاع، إلا أن تدخلها ترافق مع انتهاكات بحق مدنيين من الطائفة الدرزية، ما دفع فصائل محلية للرد، بما فيها التي كانت تتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية.

وفي 16 من تموز، خرجت القوات الحكومية من السويداء، بعد تعرضها لضربات إسرائيلية، ما أعقبه انتهاكات وأعمال انتقامية بحق سكان البدو في المحافظة، الأمر الذي أدى إلى إرسال أرتال عسكرية على شكل “فزعات عشائرية” نصرة لهم، وبعد ذلك، توصلت الحكومة السورية وإسرائيل إلى اتفاق بوساطة أمريكية، يقضي بوقف العمليات العسكرية.

أحداث الساحل

في آذار الماضي، قُتل ما يقدر بـ 1400 رجل وامرأة وطفل، في مجازر بمحافظات اللاذقية وطرطوس وحماة، بما في ذلك على يد عناصر من قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة، أضاف بينهيرو.

وبحسب المسؤل الأممي، صور مسلحون أنفسهم وهم يرتكبون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات إعدام، أو وهم يسيرون بجانب جثث محترقة متناثرة في الشوارع، وقبل إعدامهم، تعرض الضحايا لشتائم مهينة تُشير إلى الطائفة العلوية.

فرّ عشرات الآلاف إلى لبنان، مما أثار مخاوف من استمرار النزوح، ومما يُثير القلق، أن اللجنة ما زالت تتلقى تقارير عن عمليات قتل خارج نطاق القضاء، وتعذيب وسوء معاملة، وتهجير قسري للمدنيين العلويين في دمشق والمحافظات الغربية.

وذكر أنه في أعقاب أحداث آذار الساحلية، وما أُبلغ عنه من زيادة في خطاب الكراهية عبر الإنترنت وحضور الفعاليات، تعرب اللجنة عن قلقها البالغ من أن الساحة مهيأة لمزيد من العنف إذا لم تُتخذ إجراءات سريعة.

يبدأ المضي قدمًا بمساءلة جادة وشفافة عن هذه الأحداث، وأحداث آذار، وعن الانتهاكات والتجاوزات الأقل شهرة التي وقعت منذ تشكيل الحكومة المؤقتة، وفق ما قال المبعوث الأممي.

ويُشكل العنف والتمييز ضد المرأة مصدر قلق متزايد، أكد بينهيرو، شارحًا “تلقينا تقارير عديدة عن اختطاف نساء وفتيات على يد جهات مسلحة مجهولة، ووردت تقارير عن تعرض بعضهن للعنف الجنسي والزواج القسري، وفي كثير من الحالات، ورغم إبلاغ السلطات المحلية باختفائهن، أفادت عائلاتهن بأنه لم يُتخذ أي إجراء للتحقيق في هذه الحالات أو متابعتها”.

بدوره قال وزير العدل السوري، مظهر الويس، إن المحاكمات بشأن أحداث الساحل ستعقد في وقت قريب بشكل علني، داعيًا وسائل الإعلام لمتابعة هذه المحاكمات.

وأضاف في تصريح لقناة “المشهد” نقلته، الأربعاء 29 من تشرين الأول، “لن يكون هناك إفلات من العقاب”، سواء من المتورطين من “الفلول” أو الذين قاموا بانتهاكات ضد المدنيين.

وأكد وزير العدل أن “سوريا اتخذت إجراءات صارمة ضد كل المحرضين طائفيًا خلال الفترة الأخيرة”.

اندلعت أحداث الساحل، في 6 من آذار الماضي، عقب تحركات لبعض عناصر في جيش النظام السابق، استهدفت عناصر للأمن العام في ريف اللاذقية غربي سوريا.

وخلّفت انتهاكات كبيرة طالت مدنيين، أدت لمقتل المئات منهم، على خلفية انتماءات طائفية.

“قسد”

لا تزال التوترات قائمة في شمال شرقي سوريا، مع ورود أنباء عن اشتباكات في مدينة حلب وبالقرب من سد تشرين مطلع تشرين الأول الحالي.

وهناك حاجة إلى تحرك عاجل لمنع المزيد من التصعيد، حسبما ورد في تقرير المسؤل الأممي. 

وتوقفت الاشتباكات في حيي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب، بين الجيش السوري من جهة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المسيطرة على الحيين من الجهة الثانية، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، حسبما نقلت قناة “الإخبارية” السورية، في 7 من تشرين الأول .

مراسل عنب بلدي في حلب، أفاد حينها أن الاشتباكات توقفت بعد تبادل لعمليات قنص وقصف بالمدفعية وبقذائف الهاون، وصلت إلى مناطق المدنيين في الأحياء الأخرى داخل مدينة حلب.

بينما لا تزال الاشتباكات تتكرر في شمال شرقي سوريا، بين “قسد” والقوات الحكومية، وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين عن المسؤولية عنها.

ماذا عن إسرائيل؟

أشار رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة، باولو سيرجيو بينهيرو،إلى أنه في كانون الأول 2024، توغلت إسرائيل في جنوب سوريا، ومنذ ذلك الحين، هُجر المدنيون قسرًا واحتُجزوا تعسفيًا، واستمرت الغارات الجوية الإسرائيلية، بما في ذلك على دمشق، مع ورود تقارير عن سقوط ضحايا مدنيين.

وتدعو اللجنة الدول الأعضاء إلى منع إسرائيل من القيام بمثل هذه الأعمال، فتدخل دولة ثالثة يُهدد بتأجيج الصراع وإلحاق المزيد من المعاناة بالشعب السوري.

واعتبر أن الخطوات الأخيرة التي اتخذتها عدة دول والاتحاد الأوروبي لتخفيف العقوبات على سوريا موضع ترحيب، مما يُحسن الحياة اليومية للسوريين، ولكن بإمكان الدول الأعضاء، بل ينبغي عليها، بذل المزيد من الجهود، بما في ذلك مواصلة تمويل النداء الإنساني لعام 2025، والذي لم يُموّل إلا بنسبة 19%.

وشرح أن مستقبل سوريا على المحك، والبلاد بحاجة ماسة إلى مساعدة تتجاوز بكثير النداء الإنساني.

عاد أكثر من مليون لاجئ سوري إلى بلادهم. وبعد عقود من القمع، تتاح للسوريين الآن فرصة إعادة بناء بلدهم على أساس احترام كرامة جميع المواطنين وحقوقهم الإنسانية، كما قال المسؤول الأممي. 

أكدنا على الفرصة الفريدة المتاحة للسوريين لإحداث تغيير جذري في مشهد الحقيقة والعدالة والمساءلة في البلاد، وبينما تُعد التحديات هائلة، فإن الفرص هائلة أيضًا،  وقد شهدنا بالفعل تقدمًا ملحوظًا في إنشاء هيئة العدالة الانتقالية الجديدة والهيئة الوطنية للمفقودين، وتُعد هاتان المؤسستان حاسمتين في تلبية احتياجات الضحايا لتحقيق العدالة، وضمان عدم التكرار.

رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا

باولو سيرجيو بينهيرو

لمنع تكرار الانتهاكات

وكان بينهيرو، قد دعا السلطات السورية إلى معالجة الأسباب الجذرية للعنف بشكل عاجل، ومنع تكرار الانتهاكات، والعمل على استعادة الثقة بين الدولة والمجتمعات المتضررة، في 23 من أيلول الماضي.

‏وخلال حديثه أمام مجلس حقوق الإنسان في دورته الـ60، أكد بينهيرو أن السوريين ما زالوا يتمسكون بالأمل رغم تجدد العنف والانتهاكات.

‏واعتبر أن عدم القدرة حتى الآن على التوفيق بين الرؤى المتضاربة لمستقبل سوريا، يُنذر بالمزيد من التشرذم، وتجميد جهود ترسيخ الدولة، بل قد يغرق سوريا في صراع طويل الأمد.

‏وقال بينهيرو، إن لجنة التحقيق الدولية التقت بمسؤولين في الحكومة بدمشق، وناقشت معهم خطوات التحول السياسي والمؤسسي الضرورية لحماية حقوق السوريين.

‏وأكدت اللجنة أهمية العدالة لجميع الضحايا دون استثناء، ودعت إلى الاستفادة من خبرات منظمات حقوق الإنسان المحلية في دعم الناجين وتعزيز المساءلة.

‏وأوضح بينهيرو أن وزير العدل السوري، مظهر الويس، أكد ضمان الإشراف القضائي على الاعتقالات والسماح للمحتجزين بالتواصل مع ذويهم ومحاميهم، مشيرًا إلى أن اللجنة ستتابع هذه الوعود عن قرب، مجددًا الدعوة إلى وقف تنفيذ عقوبة الإعدام تمهيدًا لإلغائها.

مرتبط



إقرأ المزيد