عنب بلدي - 12/6/2025 2:45:21 PM - GMT (+2 )
عنب بلدي – جلال ألفا
شهد القطاع الرياضي تغييرات كثيرة خلال عام 2025، أبرزها تشكيل وزارة الرياضة والشباب، على أنقاض الاتحاد الرياضي العام، الذي سيطر على القرار في هذا القطاع لخمسة عقود.
وخلال سنوات الثورة، بقي القطاع الرياضي من أكثر القطاعات هشاشة، نتيجة الفوضى والفساد وغياب التخطيط.
وعلى الرغم من الاتفاقيات الموقعة، والبيانات والطموحات، ظلت التحديات ماثلة أمام تطوير الرياضة، فما تغير شكلًا أكبر مما تحقق على أرض الواقع.
إعادة رسم المشهدفي 30 من آذار 2025، أعلن الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، استحداث الوزارة لأول مرة في تاريخ البلاد، وكلّف محمد سامح الحامض وزيرًا لها.
ومع تحويل الاتحاد إلى وزارة مستقلة وتخصيص ميزانية خاصة، تفتح البلاد صفحة جديدة لإعادة تأهيل المنشآت الرياضية وتطويرها، بعد سنوات من الإهمال وغياب معايير السلامة للاعبين والجماهير.
عملت وزارة الرياضة على إعادة تشكيل الاتحادات الرياضية ومديريات الرياضة في المحافظات بصورة شاملة، سواء عبر الانتخاب المباشر وصناديق الاقتراع أو من خلال التزكية في الحالات التي استوفت شروطها.
وجاءت هذه العملية كخطوة أولى لإعادة ترتيب البيت الداخلي للرياضة السورية، بعد سنوات طويلة من التعيينات المركزية والقرارات غير الشفافة التي كانت تحكم المشهد الرياضي.
واستأنفت الوزارة دوري كرة القدم للرجال، بالتنسيق مع اللجنة المؤقتة لاتحاد الكرة، الذي توّج به أهلي حلب.
واستكمل دوري كرة السلة، الذي توّج به نادي الوحدة للموسم الثالث على التوالي.
وحرصت الوزارة على مشاركة جميع اتحادات الألعاب الفردية في كافة المحافل الآسيوية والدولية.
ومع تسلّم رامي عيسى رئاسة اتحاد كرة السلة، بدأ الاتحاد نشاطه من بطولة “درع وزارة الرياضة والشباب” التي ظفر بها “حمص الفداء”.
وقبل تشكيل اتحاد كرة القدم برئاسة فراس تيت، أُقيمت عدة بطولات ودية منها، “بطولة سوريا المستقبل”، “بطولة حلب ست الكل”.
اتفاقيات دولية وصيانة للمنشآتعقدت وزارة الرياضة والشباب العديد من اللقاءات، وأبرمت عدة اتفاقيات بما يعود بالنفع على الرياضة السورية، أبرزها:
- مذكرة تفاهم مع وزارة الرياضة التركية، بهدف تبادل الخبرات وتنفيذ بعض المشاريع.
- شراكة استراتيجية مع “Inuksuit International” الفرنسية، لتطوير الكوادر الرياضية.
- مذكرة تفاهم مع مجموعة “Matchworld Group”، بهدف تعزيز مجالات الابتكار والتسويق الرياضي.
- تشكيل لجنة سورية- قطرية، لبحث سبل ترميم وصيانة خمسة ملاعب وصالتين رياضيتين في المحافظات السورية.
- لقاء مع السفير الأردني في دمشق، سفيان القضاة، بهدف تعزيز التعاون وتبادل البعثات الرياضية.
- لقاء مع وزير الرياضة الروسي، ميخائيل ديجتياريف، بهدف تبادل الخبرات في مجالات البنية التحتية الرياضية، والتدريب، وتطوير الكوادر الفنية.
- لقاء مع نائب رئيس بعثة سفارة كوريا الجنوبية في سوريا، جانغ شان لي، بهدف توسيع الشراكات الفنية والتقنية والاستفادة من التجربة الكورية المتقدمة في التدريب والتطوير.
وركزت معظم اللقاءات والاتفاقيات على صيانة البنية التحتية الرياضية في سوريا، وتأهيل وتطوير المنشآت المدمرة.
مديرية المنشآت في الوزارة باشرت عملها وفق الخطة التي وضعتها بالتنسيق مع الوزارة، وقامت بتأهيل ملعب “الفيحاء”.
عملية التأهيل أخذت منحى أسرع نظرًا إلى تعاقد الوزارة مع شركات متخصصة، وعملت على صيانة الملعب البلدي في اللاذقية.
وتعمل المديرية على صيانة صالة “الفيحاء” الرئيسة، استعدادًا لمشاركة سوريا في تصفيات كأس العالم لكرة السلة.
وأجرت صيانة لصالة “صالح علواني” في حماة، وتستمر عملية تأهيل ملعب “خالد بن الوليد” في حمص، من خلال تحسين المرافق وتجهيزات الجلوس، لرفع جاهزيته بما يلبي الأحداث الرياضية.
ملفات فساد قديمة- جديدة وأزمة منح دولية
“لم تخلُ فترة الاتحاد الرياضي العام السابقة من فساد مستشرٍ وعشوائية في الإدارة، إذ تركت سنوات من الإهمال والمنح المهدورة إرثًا مثقلًا بالديون والمشاريع المتوقفة”، قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الرياضة، مجد الحاج أحمد، لعنب بلدي، مضيفًا، “ورثت وزارة الرياضة تركة ثقيلة تتمثل بديون تقارب 55 مليار ليرة سورية”.
عانت الرياضة سابقًا من وجود عقود قديمة مقيّدة على أيام الاتحاد الرياضي العام، إلا أن وزارة الرياضة نجحت في إعادة تقييم بدل الاستثمار ورفع قيمته بما يتناسب مع المتطلبات الجديدة، قال الحاج أحمد لعنب بلدي.
وتوجد منح مالية مفقودة على أيام الاتحاد الرياضي العام في عهد نظام الأسد السابق، وهو ما أكده رئيس اتحاد ألعاب القوى، محمد الضامن، في حديث إلى عنب بلدي.
طلبت التحقيق وتحويل رئيس وأمين سر الاتحاد في عهد النظام إلى التفتيش، بسبب عدم تسليم الاتحاد بشكل رسمي، إضافة إلى وجود منح مالية مفقودة لعامي 2022 و2023، تسلمها أحد العاملين في اللجنة الأولمبية القطرية دون تدخل من الاتحاد الرياضي العام السابق.
محمد الضامن
رئيس اتحاد ألعاب القوى
الضامن اُتهم أيضًا باختلاس منحة 36 ألف دولار، واقتاده عناصر الأمن إلى جهة التحقيق الجنائي، لكنه خرج دون أن يُسأل أي سؤال.
ودافع عن نفسه قائلًا، “هذه المنحة دولية ومخصصة لاتحاد ألعاب القوى، وليست أموال وزارة أو دولة وهو مخول بالإشراف عليها”.
أما مهمة تسلّم المبلغ فبقيت مقيدة لعدم وجود حساب بنكي للاتحاد، ولذلك تم تحويل المنحة من الاتحاد الدولي إلى الآسيوي وصولًا إلى قطر، وفي انتظار فتح حساب بنكي ليتم تحويلها إلى سوريا.
عنب بلدي تواصلت سابقًا مع الوزارة للرد على القضية، وجاء الرد، “إن الوزارة لن تصدر أي تصريح حول القضية، حتى استكمال الإجراءات بشكل كامل والوصول إلى النتائج النهائية”.
الوزارة تحت المجهرتُطرح تساؤلات عدة حول مدى قدرة الوزارة على تحويل الوعود إلى إنجازات ملموسة، وما إذا كانت الخطوات التي اتخذتها حتى الآن تشكل بداية إصلاح حقيقي أم مجرد تغييرات شكلية لم تلامس عمق الأزمة الرياضية في سوريا.
“الوزير يفتقر إلى الكفاءة العلمية والخبرة الإدارية، ويبدو متخبطًا في قراراته”، قال المحلل والباحث الأكاديمي في الشأن الرياضي غيفارا الخطيب، لعنب بلدي.
ويرى الخطيب أن المسؤولين السابقين رغم تورط بعضهم بالفساد، فإنهم كانوا يمتلكون الحد الأدنى من الخبرة والإدارة، أما الوزير الحالي فلا يتوفر لديه هذا الشيء رغم أنه لا يُتهم بالفساد.
وحول إعادة رسم المشهد الرياضي، قال الخطيب، إن الوزارة لم يكن لها أي تأثير إيجابي على المشهد الرياضي، بل كان تأثيرها سلبيًا.
وأضاف أن الوزارة أقالت مدربًا شابًا تأهّل إلى كأس آسيا للشباب، وجاءت بمدرب كبير بالسن لم يعمل منذ خمس سنوات وفشل.
وتكرر الأمر عندما أقالت مدرب منتخب كرة السلة الذي كان متأهلًا لكأس آسيا، وجلبت مدربًا أجنبيًا جديدًا في ظروف غريبة.
حتى الآن ما زالت ذات المشكلة قائمة، وجميع قرارات الوزارة مبنية على الإقالات والتعيينات بشكل فوضوي وعشوائي، دون وجود أي دراسة أو تخطيط، ختم الخطيب.
عمل الوزارة حتى الآن عنوانه العريض: قلّة الخبرة، غياب الكفاءات، الانحياز العاطفي، مع الابتعاد التام عن أي معيار حقيقي لاختيار الكوادر.
غيفارا الخطيب
محلل وباحث أكاديمي في الشأن الرياضي
تواصلت عنب بلدي مع عدد من المدربين الوطنيين لأخذ آرائهم، إلا أنهم رفضوا الإدلاء بأي تصريح في هذا الخصوص.
كما تواصلت عنب بلدي مع المتحدث الرسمي باسم وزارة الرياضة والشباب، مجد الحاج أحمد، الذي قال، “من الطبيعي أن تكون هناك انتقادات، إذ لا يوجد عمل خالٍ من الأخطاء بنسبة 100%، ولكن يجب أن تكون الانتقادات مستندة إلى المنهجية والمنطق والعلمية”.
وأشار الحاج أحمد إلى أن الوزارة تعاني من اتهامات لا تستند إلى دليل أو برهان، إذ ينجرف بعض المتابعين خلفها دون التحقق أو بذل جهد في السؤال والاستفسار.
من جانبه، يرى الصحفي الرياضي هاني عنطوز، أن الوزارة تتمتع برؤية طموحة وخطة استراتيجية واضحة المعالم، إلا أن نجاحها مرتبط بقدرتها على تجاوز التحديات الهيكلية الموروثة من الاتحاد السابق.
استطلعت عنب بلدي رأي الشارع السوري لتقييم أداء الوزارة، وكان التقييم متفاوت النتيجة.
أحمد عثمان، من المهتمين بالرياضة قال، إن الوزارة تبذل قصارى جهدها لإعادة الألق إلى الرياضة السورية.
وطالب عثمان أن تقوم الوزارة بدعم الأندية الرياضية لتسديد الديون المتراكمة عليها.
ويرى محمد حسين، أن الوزارة لم تقدم أي شيء للرياضة حتى هذه اللحظة، معتبرًا الموسم الجديد هو المفصلي الذي يمكن الحكم عليه.
في نهاية المطاف وبعد عام، تبدو الصورة مزدوجة بين آمال عريضة وواقع لا يزال مثقلًا بالتركات القديمة والتحديات البنيوية.
وبين رواية رسمية تتحدث عن رؤية طموحة، ورأي شعبي وإعلامي يشكك في قدرة الوزارة على إحداث التغيير بسبب عدم وجود الكفاءات، يبقى الملف الرياضي السوري أمام تحدي تحويل الإصلاح من شعارات وخطط على الورق، إلى واقع يلمسه اللاعب والمدرب والجمهور.
مرتبط
إقرأ المزيد


