عنب بلدي - 12/7/2025 3:22:09 PM - GMT (+2 )
عنب بلدي – أمير حقوق | مارينا مرهج
على امتداد عام كامل، بقي قطاع الطاقة السوري يتحرك ضمن هامش ضيق بين العجز المالي، والعقوبات، وتآكل البنية التحتية، مقابل محاولة الحكومة جذب استثمارات خارجية لإنقاذ ما تبقى من المنظومة الكهربائية والنفطية.
غير أن الأرقام المعلنة عن الإنتاج، وحجم الاستهلاك، وتكلفة الدعم، تكشف فجوة عميقة بين ما تحتاج إليه البلاد فعليًا وما هو متوفر على أرض الواقع، سواء في الكهرباء التي ارتفعت أسعارها بشكل كبير مقابل توفرها لساعات محددة فقط، أو في النفط الذي شهد توفرًا بعد انقطاع لسنوات ودخوله سوق الاحتكار، لكنه لا يزال يعتمد على الاستيراد بجزء منه.
في هذه البانوراما، تحاول عنب بلدي مقاربة عام من إدارة وزارة الطاقة لأثقل ملفات المعيشة: الكهرباء، النفط، وما تم إنجازه فيها وما تعثر، وكيف انعكس ذلك على حياة السوريين.
من تقنين حاد إلى رفع الأسعار مقابل تحسن جزئيتصدّر قرار رفع أسعار الكهرباء، في تشرين الثاني الماضي، واعتماد نظام شرائح تصاعدية يزداد فيه السعر كلما ارتفع حجم الاستهلاك، أبرز العناوين المتعلقة بقطاع الكهرباء، إذ قوبل بموجة من الاعتراضات وردود الفعل في الشارع، كما أظهر استطلاع أجرته عنب بلدي أن الأغلبية الساحقة من المشاركين اعتبروا الأسعار الجديدة غير متناسبة مع مستوى الدخل.
وبقيت ساعات التغذية في معظم المحافظات السورية خلال الأشهر الأولى التي تلت 8 من كانون الأول 2024، لا تتجاوز ساعة إلى ساعتين يوميًا في أحسن الأحوال، نتيجة النقص المزمن في حوامل الطاقة، ولا سيما الغاز الطبيعي والفيول اللازمين لتشغيل محطات التوليد الحرارية، وتجاوز الطلب على الكهرباء خلال الربعين الأولين من العام الحالي (خلال فترات الذروة الشتوية والصيفية) قدرات الشبكة بعشرات المرات.
ومع الدخول في النصف الثاني من العام، طرأ تحسن محدود ومؤقت على واقع التغذية في عدد من المدن، بعد تأمين كميات إضافية من الغاز عبر توريدات خارجية، بالإضافة إلى عمليات الصيانة والتطوير لمحطات النقل الرئيسة، وخطوط التوزيع في مختلف المحافظات، إذ خضع نحو 20% من المحطات لأعمال صيانة شاملة، بالإضافة إلى البدء بإنشاء محطات جديدة.
وعلى إثر ذلك جرت في عدد من المناطق زيادة ساعات الوصل الكهربائي مقابل ساعات الانقطاع، إلا أن هذا التحسن بقي غير شامل جغرافيًا، وغير مستقر زمنيًا، ومرتبطًا مباشرة بتوفر الوقود لا بزيادة دائمة في القدرة الإنتاجية، مما يجعل أي تراجع في الإمدادات ينعكس فورًا بزيادة التقنين مجددًا.
يبلغ عدد محطات التحويل 75 محطة موزعة على المحافظات جميعها، منها 64 محطة قيد العمل، بينما لا تزال ثماني محطات خارج الخدمة، فيما توجد ثلاث محطات تحت إعادة التأهيل.
وتشمل المحطات 195 محولًا كهربائيًا، منها 165 محولًا في الخدمة حاليًا، بحسب ما أعلنته وزارة الطاقة، في 20 من تشرين الأول الماضي.
البنك الدولي قال إنه وافق على منحة قدرها 146 مليون دولار لمساعدة سوريا على استعادة الكهرباء بشكل موثوق وبأسعار معقولة، ودعم التعافي الاقتصادي للبلاد.
ويحتاج قطاع الكهرباء إلى عشرة مليارات دولار لإجراء إصلاح شامل، يتضمن خطوط النقل والتوزيع، وتركيب العدادات، ومحطات توليد الطاقة.
لا تزال الفجوات الإنتاجية واسعة، إذ يُقدّر العجز بأكثر من 8000 ميجاواط مع استمرار الانقطاعات الطويلة في معظم المناطق، إلى جانب ضعف واضح في الحوكمة وتأخر تنفيذ المشاريع.
د. عبد الرحمن محمد
خبير اقتصادي وأستاذ في جامعة “حماة”
وفيما يخص التحسن الطارئ، أوضح الدكتور محمد أن استيراد الغاز الأذري أسهم في رفع ساعات التغذية اليومية في بعض المناطق إلى نحو عشر ساعات، فيما ساعدت أعمال صيانة المولدات والشبكات في تقليل الفاقد وتحسين كفاءة التوزيع. لكن هذا التحسن لا يزال محدودًا وغير متوازن، خاصة في المناطق الريفية التي تعاني انقطاعًا شبه دائم، إضافة إلى بطء تنفيذ المشاريع الكبرى مثل محطات الطاقة الشمسية والريحية.
النفط: إنتاج محدود.. وسوق مرهونة بالاستيرادرغم الوعود المتكررة بإعادة تنشيط القطاع النفطي في سوريا، ما زالت البلاد خلال العام الحالي تعتمد بشكل شبه كامل على استيراد النفط الخام والمشتقات لتلبية احتياجات السوق المحلية، مع إنتاج داخلي لا يكاد يفي بأكثر من جزء بسيط من الطلب.
وشهدت المشتقات النفطية توفرًا ملحوظًا خلال العام الحالي، وانخفاضًا في أسعارها بعد سنوات طويلة أرهقت السوريين في محاولات للحصول عليها، وطوابير طويلة من الانتظار على الدور للحصول على جرة غاز أو ليتر من البنزين والمازوت.
في تشرين الثاني الماضي، أصدرت وزارة الطاقة قرارًا بتخفيض أسعار المشتقات النفطية (البنزين، المازوت، أسطوانة الغاز المنزلي، أسطوانة الغاز الصناعي).
وأوضحت وزارة الطاقة أن سبب انخفاض الأسعار هو تحسن الإنتاج المحلي، إذ باتت سوريا تنتج بعض المشتقات النفطية بشكل يومي، حيث يبلغ الإنتاج حاليًا نحو 120 ألف برميل من النفط وسبعة ملايين متر مكعب من الغاز.
وتعمل مصفاة “بانياس” بنسبة 80% من طاقتها الإنتاجية، في حين تعمل مصفاة “حمص” بين 30 و40% من طاقتها.
غير أن هذه الأرقام، رغم كونها تقدم بعض التخفيف من حدة العجز، تبقى بعيدة جدًا عن مستوى الاستهلاك الوطني، والذي بحسب تحليل أعدته عنب بلدي، يحتاج إلى ما يقارب 150 ألف برميل يوميًا لتلبية الطلب على البنزين والمازوت والفيول وتشغيل محطات التوليد.
ووصلت إلى سوريا عدد من شحنات النفط أبرزها الشحة الأخيرة التي وصلت من السعودية والتي بلغت 1.65 مليون برميل نفط، لتلبية جزء من احتياجات المواطنين من المشتقات النفطية، وأيضًا توفير الوقود لمحطات الكهرباء.
وزودت روسيا سوريا بعدة شحنات من النفط خلال العام الحالي، وبلغ إجمالي كميتها نحو 350 ألف طن متري، أي ما يعادل نحو 2.6 مليون برميل.
كما أُعلن، في أيلول الماضي، عن تصدير شحنة من النفط الخام الثقيل تبلغ 600 ألف برميل من ميناء “طرطوس”، وكانت هذه الصفقة أول عملية تصدير رسمية معروفة للنفط السوري منذ 14 عامًا، إذ كانت سوريا تصدّر 380 ألف برميل من النفط يوميًا في عام 2010.
وتسعى وزارة الطاقة السورية للحصول على أكثر من 30 مليار دولار، لإعادة تأهيل قطاعات النفط والمعادن والكهرباء والمياه بشكل كامل.
الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي مجدي الجاموس، أكد أن الإنتاج الحالي يتراوح بين 24 و25 ألف برميل يوميًا، مقارنة بأكثر من 400 ألف برميل قبل سنوات الثورة.
وأشار إلى أن البنية التحتية في القطاع تعاني تدهورًا شديدًا، تجعل أي تحسن أقرب إلى “تحسين حالة”، لا يرتقي إلى ما هو مطلوب بعد مرور نحو عام على التحرير.
ويرى أن حقول النفط التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قد تكون مدخلًا مهمًا لنمو القطاع إذا أُعيد استثمارها ضمن إطار وطني موحد وبخطة استراتيجية واضحة.
حقول النفط التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قد تكون مدخلًا مهمًا لنمو القطاع إذا أُعيد استثمارها ضمن إطار وطني موحد وبخطة استراتيجية واضحة.
مجدي الجاموس
خبير اقتصادي وأستاذ جامعي
“تحرير أسعار المشتقات النفطية خفّض الاستهلاك، لكنه في المقابل جعلها متاحة فقط لأصحاب الدخل المرتفع، ما عمّق الفجوة الاجتماعية وأضعف قدرة الفئات الفقيرة على الحصول على المازوت للتدفئة”، بحسب تعبيره.
وصول ناقلة النفط السعودية “بيتاليدي” إلى ميناء بانياس ضمن المنحة السعودية لدعم الطاقة في سوريا – 17 تشرين الثاني 2025 (سانا)
خلال العام الحالي، وقعت وزارة الطاقة السورية الاتفاقيات النهائية مع تحالف مجموعة شركات دولية بقيادة شركة “أورباكون القابضة”، لإنشاء أربع محطات توليد كهرباء باستطاعة إجمالية تبلغ 5000 ميجاواط، تعمل على الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية.
تشمل الاتفاقيات إنشاء محطات في شمال حلب ودير الزور وريف دمشق والمنطقة الوسطى، إضافة إلى مشاريع طاقة شمسية بقدرة إجمالية تبلغ 1000 ميجاواط موزعة على عدة مواقع في سوريا، بحسب ما أعلنت الوزارة في صفحتها عبر “فيسبوك”، في 6 من تشرين الثاني الماضي.
وأجرت شركتا “جنرال إلكتريك فيرنوفا” الأمريكية و”سيمنس إنرجي” الألمانية محادثات لتوريد توربينات غازية لمشروع تبلغ قيمته سبعة مليارات دولار يهدف إلى إعادة تأهيل قطاع الطاقة المتضرر في سوريا.
وبحسب ما نقلته “رويترز” عن ثلاثة مصادر وصفتها بـ”المطّلعة”، في 13 من تشرين الثاني الماضي، فإن تفاصيل المبالغ المخصصة لتوريد التوربينات لم تُكشف بعد.
ويأتي ذلك في وقت تسعى فيه شركات غربية للاستفادة من مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، بعد أن رفعت إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، معظم العقوبات المفروضة على دمشق منتصف العام الحالي.
وكانت شركات أمريكية أخرى، من بينها “بيكر هيوز” و”هانت إنرجي” و”أرجنت LNG”، أعلنت، في تموز الماضي، عن خطة رئيسة لدعم إعادة الإعمار، تشمل استكشاف وإنتاج النفط والغاز وتوليد الطاقة.
مرتبط
إقرأ المزيد


