لأول مرة.. سوريا تحتفل باليوم العالمي لحقوق الإنسان
عنب بلدي -

عقدت وزارة الخارجية والمغتربين السورية اليوم، الأربعاء 12 من كانون الأول، فعالية بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان لأول مرة في سوريا، وذلك بالتعاون مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

وقال وزير الخارجية والمغتربين، أسعد الشيباني، إن الذكرى الأولى لتحرير سوريا تتزامن هذا العام مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان، معتبرًا أن هذا التلاقي يمنح المناسبة رمزية خاصة، بعد عقود وصفها بـ”50 عامًا من الطغيان” التي خيمت على سوريا.

وأضاف الشيباني أن سوريا بشكلها الجديد، “تعود إلى العالم كدولة تعطي للإنسان مكانته اللائقة وتعيد الاعتبار لكرامته”، معتبرًا أن مشاركتها في فعاليات يوم حقوق الإنسان تمثل انتقالًا من موقع الإدانة في السنوات السابقة إلى موقع إعلان الالتزام بحماية الحقوق.

وأشار إلى أن 8 من كانون الأول من عام 2024، شكل نقطة تحول، حين بدأ السوريون أولى خطوات التحرير بفك قيود المعتقلين، في خطوة وصفها بأنها إعلان عملي لطي “الحقبة المظلمة”، التي راكم فيها النظام السابق سجلًا أسود في مجال حقوق الإنسان، وفتح الباب لمرحلة جديدة عنوانها احترام الحقوق ومنع تكرار الانتهاكات.

ولفت الشيباني إلى أن التزام الدولة بحقوق الإنسان ينبع من التجربة المريرة التي عاشها السوريون لما يقارب ستة عقود، وخاصة خلال السنوات الـ14 الأخيرة التي شهدت القتل العشوائي والتعذيب والإخفاء القسري واستخدام أسلحة محرمة، مؤكدًا أن هذا الإرث يجعل المجتمع أكثر إصرارًا على ضمان عدم تكرار تلك الجرائم.

ونوه إلى أن القوات التي شاركت في عمليات التحرير التزمت بتعليمات القيادة فيما يخص احترام القانون الدولي والإنساني، وضبط النفس ومنع الانتقام، معتبرًا ذلك سلوكًا نادرًا في تجارب التحولات الكبرى.

حقوق الإنسان من الأولويات

أكد وزير الخارجية أن حقوق الإنسان باتت في صدارة أولويات الدولة بعد التحرير، وأن النصوص الدستورية الجديدة نصت على سيادة القانون وحماية الحريات الأساسية، إلى جانب التزام سوريا بالاتفاقيات الدولية.

وأشار الشيباني إلى إطلاق منظومة مؤسساتية مستقلة للعدالة، تضم هيئات للعدالة الانتقالية والمفقودين، ولجانًا للسلم الأهلي وتقصي الحقائق، مبنية على أربعة أركان هي الحقيقة، والعدالة، وجبر الضرر، وضمان عدم التكرار.

وذكر أن المقابر الجماعية التي لا يزال يجري اكتشافها تدار بالتعاون مع خبراء دوليين وبموجب بروتوكولات دولية لحفظ الأدلة وحقوق الضحايا، مشددًا على أن هذا التعاون جزء من التزام سوريا بالمعايير الأممية.

وأكد الشيباني أن سوريا الجديدة فتحت أبوابها أمام المنظمات الأممية والدولية، بما في ذلك المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ولجنة التحقيق الدولية، والآلية المحايدة، وأنها وقعت مذكرات تفاهم رسمية، وأجابت على استفسارات المقررين، وفتحت السجون ومراكز الاحتجاز للرقابة الدولية.

كما أشار إلى توسيع التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ليصبح تبادلًا كاملًا للمعلومات، إلى جانب الشراكات مع المجتمع المدني.

ويرى أن الدولة لا تدعي المثالية، وتدرك حجم التحديات، مستذكرًا أحداث الساحل والسويداء بوصفها مثالًا على إدارة الأزمات بمسؤولية، بحسب تعبيره، إذ شُكلت لجان وطنية للتحقيق، قبل إحالة المتهمين إلى القضاء لضمان حقوق الضحايا والمتهمين معًا.

وأوضح أن إصلاح القطاع الأمني بدأ بهدف تحويله من أداة “ترهيب” إلى جهاز يحمي المواطن والمجتمع.

وأشار الشيباني إلى أن النظام السابق خلف تركة ثقيلة من الانقسامات والتلاعب الطائفي، وأن الدولة الحالية تعمل على معالجة جذور هذا الإرث من خلال تعزيز التنوع كقيمة اجتماعية، واحترام الحقوق الثقافية لجميع المكوّنات ضمن إطار قانوني ومؤسساتي.

وختم الشيباني بالتأكيد على أن ما تحقق خلال عام واحد يمثل مسارًا عمليًا وملموسًا، داعيًا الأمم المتحدة والدول والمنظمات إلى مواكبته ودعمه وتقييمه، معتبرًا أن بناء دولة القانون والمؤسسات هو الحد الأدنى مما يستحقه السوريون، وأن مهمة الدولة اليوم تتجاوز رفع الخوف، إلى حماية الكرامة وتحقيق الرفاه والتنمية دون تمييز.

وقال رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المفوضية السامية لحقوق الإنسان، محمد النسور، “ما كان لنا أن نجتمع في اليوم العالمي لحقوق الإنسان في سوريا لولا نضالات الشعب السوري والاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة السورية لحقوق الإنسان”.

واعتبرت نائبة المفوض السامي لحقوق الإنسان، ندى الناشف، أن هذا اليوم يمثل بداية جديدة لحقوق الإنسان في سوريا، وتسعى المفوضية مع الحكومة إلى مستقبل واعد ومضيء في هذا المجال، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الرسمية (سانا).

وشهدت الفعالية حضور وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، إلى جانب عدد من وزراء الحكومة السورية، وممثلين عن الهيئات الدبلوماسية والمنظمات الدولية والمؤسسات الوطنية.

تحسن ملموس

يرى رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، محمد النسور، أن الأمور تتحسن بعد عام من سقوط النظام السابق،”في كل مرة نذهب فيها إلى دمشق، نلمس التغيير”، بحسب قوله

وأوضح النسور أنه أصبح لدى مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، التي مُنعت من العمل داخل سوريا لسنوات عديدة، فريق دائم في دمشق.

واعتبر النسور أن هذا يمثل نقطة تحول مهمة بعد فترة طويلة كانت تُرصد فيها أوضاع حقوق الإنسان في سوريا عن بعد من بيروت.

وأشار إلى أن سوريا لا تزال تواجه عددًا من الأولويات الملحة، بما في ذلك الحاجة إلى إعادة بناء بلد مزقته الحرب، ومعالجة المظالم العديدة المتبقية، وتحقيق العدالة للانتهاكات الماضية والحالية.

وعبر المسؤول الأممي عن قلقه من انعدام الأمن في شمال شرقي البلاد والسويداء والأحداث التي شهدتها المنطقة الساحلية في آذار الماضي، إلا أن الاتجاه العام “بناء وإيجابي للغاية”، بحسب وجهة نظره.

وأضاف النسور أنه هناك إرادة سياسية من الحكومة للتحسين، مشيرًا إلى “التعاون اليومي” بين مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والسلطات السورية.

وتتلقى الحكومة السورية مساعدة فنية من المفوضية تهدف إلى إصلاح التشريعات، وتعزيز حقوق الإنسان في مؤسسات تنفيذ القانون، وتحسين الإدارة العامة، وأضاف النسور أن هذه الخطوات تظهر التزامًا بمستقبل قائم على الحقوق.

“نرصد الانتهاكات ونبلغ عنها ونستخدم المناصرة لتنبيه السلطات إليها لمنعها. غايتنا وهدفنا الرئيس ليس فضح أي حكومة أو إلقاء اللوم عليها، بل منع الانتهاكات”، بحسب النسور.

يُحتفى بيوم حقوق الإنسان سنويًا بجميع أنحاء العالم في 10 من كانون الأول، ويُخصص هذا اليوم لإحياء ذكرى أحد أبرز التعهدات العالمية في التاريخ، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي يكرّس الحقوق غير القابلة للتصرف التي يتمتع بها كل إنسان لمجرد كونه إنسانًا، بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو غيره أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر.

وقد أُعلن هذا الإعلان من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس في 10 من كانون الأول 1948، وهو يحدّد للمرة الأولى الحقوق الأساسية التي يجب أن تُصان عالميًا.

مرتبط

اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا

إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى



إقرأ المزيد