عام على سقوط النظام.. رأس العين وتل أبيض بلا دعم حكومي
عنب بلدي -

لا تزال مدينتا رأس العين وتل أبيض، شمالي سوريا، بعد سقوط النظام السوري، تعتمدان على المجالس المحلية في إدارة الخدمات، في ظل غياب كامل للدعم الحكومي، نتيجة انفصالهما جغرافيًا عن الداخل السوري بسبب حصار “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) للمدينتين.

وكرّس هذا الواقع نموذجًا إداريًا يقوم على موارد محلية محدودة ودعم خارجي محدود (من قبل ولاية أورفا التركية) مقابل تحديات متزايدة تعوق استقرار البنية التحتية وتحسين الخدمات الأساسية.

مدينتان خارج الحسابات

يعيش سكان رأس العين وتل أبيض، البالغ عددهم 253 ألف نسمة، على الزراعة والثروة الحيوانية كمصدرين رئيسين للمعيشة، إلا أنهم لم يتلقوا أي دعم حكومي بعد سقوط النظام، ويعتمدون بالكامل على المجالس المحلية المدعومة من قبل ولاية أورفا التركية لإدارة هذه القطاعات الحيوية بموارد محدودة.

وصف عادل الحميد من قرية الجكيمة شرقي رأس العين الوضع الزراعي بـ”المأساوي”، مع تراجع الإنتاج بشدة، خصوصًا في ظل استمرار الحصار على المدينة.

وقال لعنب بلدي، إن السكان “كانوا يأملون خيرًا بعد سقوط النظام”، على أن يتحسن حال المزارعين في المدينة، إلا أن الواقع كان عكس توقعاتهم، فزاد الاستغلال وغابت الجهات الرسمية لتبني مسؤوليتها.

وأُجبر عادل على بيع محصول القطن بسعر 510 دولارات للطن، نتيجة غياب الحكومة السورية عن المدينة وعجز المجلس المحلي عن شراء المحصول لضعف إمكانياته.

وطالب بضرورة تفعيل مؤسسات الدولة عبر دعم المجالس المحلية، لضمان استقرار القطاع الزراعي وحماية حقوق المزارعين، وتخفيف الأعباء الاقتصادية عنهم.

عمار صطيف من قرية حمام التركمان كان يعقد الآمال منذ سقوط النظام على أن يتم توفير أعلاف مدعومة من قبل الحكومة السورية لأغنامه البالغ عددها 130 رأسًا، إلا أنه لم يتلق أي دعم حتى الآن.

وبعد فقدانه الأمل في الحصول على أي دعم لمواشيه، اضطر عمار إلى بيع 40 رأسًا بأسعار زهيدة لتأمين الأعلاف لما تبقى من أغنامه.

وأشار إلى أن مدينتي تل أبيض ورأس العين باتتا حسب وصفه في حالة “الموت السريري”، نتيجة غياب أي دعم حكومي للثروة الحيوانية.

وتغيب فرص العمل في المدينتين بالمجالات الأخرى، كالصناعة والتجارة، ما يزيد اعتماد السكان على الزراعة والثروة الحيوانية كمصدر رئيس للرزق، في ظل غياب الاستثمار والاهتمام الحكومي بهذه القطاعات.

الخدمات بحاجة لتطوير

التقت عنب بلدي عددًا من أهالي تل أبيض ورأس العين، الذين وصفوا الواقع الخدمي في المدينتين بـ”المقبول”، لكنه بحاجة إلى تطوير، خصوصًا في قطاعين رئيسين هما الطرق والخدمات الطبية.

اعتبر عماد العايد من مدينة رأس العين أن الوضع الخدمي في المدينة مقبول وفي تحسن مستمر، مع تحسن واضح في قطاعي الكهرباء والمياه لتوفرها دون انقطاع.

وأوضح لعنب بلدي أن التحسن الفعلي للخدمات بدأ منذ عام 2021 مع وصول الكهرباء للمدينة، ما ساهم في تحسين الواقع الخدمي بشكل كبير.

وأضاف أن كل هذه الخدمات جاءت بجهود من المجلس المحلي وبدعم تركي مباشر.

وطالب بضرورة تفعيل الحكومة السورية مؤسساتها في المدينة ودعم قطاعين أساسيين، هما الصحة والطرق، إذ لا يملك المجلس المحلي القدرات والإمكانات الكافية لتحسينها.

من جانبه، اشتكى فيصل عزي من بلدة سلوك التابعة لمدينة تل أبيض من تدهور الواقع الطبي في البلدة، رغم مرور عام على سقوط النظام دون أن يطرأ أي تحسن ملموس.

وأوضح أن غياب الأطباء وقلة الأجهزة الطبية فاقما الأوضاع، خاصة مع غياب أي دعم حكومي للبلدة، وأن الوضع لم يتغير منذ عام كامل والبلدة بحاجة إلى دعم فعلي وكبير.

وطالب الحكومة السورية بتقديم الدعم اللازم لبلدة سلوك، وعدم الاكتفاء بالزيارات التشاورية واللقاءات، مع تفعيل المؤسسات المحلية ودعم المجالس المحلية لضمان تحسين الخدمات الطبية.

تدير تركيا مدينتي رأس العين وتل أبيض شمالي سوريا، وتُدار المؤسسات الخدمية فيها عبر مركز ولاية أورفا التركية، وتشرف المجالس المحلية فيها على تنفيذ المشاريع الخدمية.

طلاب منقطعون عن التعليم

لم يطرأ أي تحسن على العملية التعليمية في مدينتي تل أبيض ورأس العين، فلا يزال الطلاب بعد عام على سقوط النظام يواجهون صعوبات كبيرة للوصول إلى الداخل السوري، كما يظل غياب الفروع الجامعية واضحًا، واقتصار التعليم على المعاهد المتوسطة التي افتتحتها جامعة “حلب الحرة” في العام السابق.

بعد نجاحه في المفاضلة على كلية الصيدلة في دمشق، لم يتمكن محمد عدي من تل أبيض من الوصول إليها بسبب غياب الجامعات وحصار “قسد” للمدينة.

وأوضح محمد أنهم ناشدوا الحكومة والمسؤولين لإيجاد حل، لكنهم لم يحصلوا على أي استجابة، واكتفوا بالرد بأن وضع المنطقة “ضبابي”.

وذكر أنه بعد عدة مناشدات، وعدهم المجلس المحلي في تل أبيض بنقلهم عبر الأراضي التركية إلى الداخل السوري لإكمال تعليمهم الجامعي.

رئيس اتحاد الطلبة برأس العين، مهند العبد الله، قال لعنب بلدي، إن الطلاب الذين فاضلوا على الجامعات لم يتمكنوا من الوصول إلى جامعاتهم كالسنوات السابقة.

وأوضح أنهم أصدروا بيانًا على صفحة اتحاد الطلبة، ناشدوا فيه الجهات المعنية لإيجاد حل لوضع الطلاب في رأس العين، كي لا يتكرر عليهم ما حدث في العام السابق.

وطالب مهند العبد الله الحكومة السورية بالتحرك السريع لتأمين وصول الطلاب إلى جامعاتهم وضمان استمرار تعليمهم دون عوائق.

بحاجة لدعم الحكومة والمنظمات

المتحدث الرسمي باسم المجلس المحلي لمدينة رأس العين، زياد ملكي، قال لعنب بلدي، إن المجلس المحلي يعتمد على نفسه منذ ست سنوات، مع دعم محدود من بعض الجمعيات اقتصر على تأهيل بعض المدارس وتركيب مشاريع طاقة شمسية.

وبيّن أن المجلس قدّم خلال العام أكثر من 13 مشروعًا للطاقة الشمسية لأهالي الريف لتوفير المياه، دون أي دعم حكومي، واقتصر الدعم المباشر على ولاية أورفا.

وأشار ملكي إلى أن الزيارات الحكومية في الفترة السابقة اقتصرت على الاستبيانات، معبّرًا عن أمله بأن تقوم الحكومة السورية بدعم المنطقة بشكل أكبر وتحسين واقع المدينة.

تواصلت عنب بلدي مع المكتب الإعلامي للمجلس المحلي في تل أبيض، وتلقّت ردًا يفيد بأن المجلس يعتمد على إيراداته الخاصة لتحسين الواقع الخدمي، مشيرًا إلى حاجته الماسة لدعم الحكومة السورية في القريب العاجل.

تقع رأس العين بمحاذاة الحدود التركية، وتسيطر عليها الحكومة السورية، بينما تحيط بها جبهات القتال مع “قسد”، إذ يعتبر منفذها الوحيد نحو الخارج هو الحدود التركية.

مرتبط



إقرأ المزيد