عنب بلدي - 12/14/2025 6:45:10 PM - GMT (+2 )
عنب بلدي – كريستينا الشماس
يشكل التراث اللامادي في سوريا أحد أكثر المكونات التصاقًا بالهوية المحلية، إذ يتوزع بين العادات والحرف والفنون التي أثرت الذاكرة الجمعية عبر أجيال متعاقبة.
لا يزال الإرث غير المادي يثبت حضوره على الرغم من التحولات التي مر بها المجتمع السوري، ويجد اليوم مساحة أوسع على الساحة الدولية مع تزايد الاعتراف به ضمن قوائم “اليونسكو”.
وفي هذا السياق، جاء إدراج الكحل العربي في 11 من كانون الأول الحالي، ليضيف حلقة جديدة إلى سلسلة العناصر التي تحظى باعتراف عالمي، إذ يمثل الكحل جزءًا من الممارسات الجمالية والاجتماعية المرتبطة بالمرأة السورية، وتعود جذوره إلى طرق تحضير تقليدية تعتمد على حجر الإثمد أو نوى التمر المحمص، ويستخدم عبر “المرود”، الذي لا يزال جزءًا من الذاكرة الشعبية المتعلقة بالزينة والطب الشعبي.
وانضم “البشت” (البردة الرجالية التقليدية)، في 10 من كانون الأول، إلى القائمة التمثيلية للتراث الثقافي اللامادي خلال اجتماعات اللجنة الحكومية الدولية لصونه في نيودلهي.
ويعكس هذا الإدراج حضور “البشت” في الحياة الاجتماعية السورية والعربية، بوصفه رمزًا للوجاهة والمناسبات الرسمية، فضلًا عن ارتباطه بحرف تقليدية في النسيج والتطريز.
ومع هذين العنصرين، تتقدم سوريا خطوة إضافية نحو ترسيخ إرثها الثقافي كجزء من الذاكرة الإنسانية المشتركة.
عناصر سورية مسجلة على قوائم “اليونسكو”على مدى السنوات الماضية، تدرّج الحضور السوري على قوائم التراث اللامادي، ليشمل مجموعة من العناصر التي تعكس تنوع البيئات السورية وما أنتجته من فنون وعادات ومهارات.
وتشكل العناصر المسجلة فسيفساء ثقافية تمتد من الفنون الأدائية مثل القدود الحلبية وخيال الظل، إلى الحرف التقليدية كصابون الغار، والزجاج المنفوخ، وصناعة الأعواد، وصولًا إلى ممارسات تتجذر في الحياة اليومية مثل استخدام الكحل العربي أو الاحتفاء بالوردة الشامية.
ومع دخول “البشت” والكحل العربي في عام 2025، تواصل سوريا إحياء هذا التراث في سياق دولي، مقدمة صورة متكاملة عن بلد يمتلك من الثراء الثقافي ما يتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة، ليصبح جزءًا من سجل عالمي يشهد على حيوية المجتمعات وقدرتها على حفظ ذاكرتها.
أوضحت وزارة الثقافة السورية أهمية تسجيل العناصر الثقافية اللامادية على قوائم “اليونسكو”، معتبرة أنه:
- يرسخ الحضور العالي ويثبت مكانة التراث السوري بوصفه جزءًا من الذاكرة الإنسانية.
- يعزز الهوية والانتماء عبر صون الممارسات التي تربّت عليها الأجيال.
- يفعّل الخطط الوطنية للصون بما يضمن توثيق العنصر واستمراره فــي الحياة اليومية
- ينمي الثقافة والاقتصاد عبر دعم الحرف والأسواق المحلية.
لا يمكن لوجود هذه العناصر على لوائح “اليونسكو” أن يتحقق دون عمل محلي متواصل، بحسب ما أفادت به مديرة مديرية التراث اللامادي في وزارة الثقافة، رولا عقيلي، لوكالة الأنباء الرسمية (سانا)، معتبرة أن التوثيق الوطني هو الأساس الذي تبنى عليه جميع الترشيحات.
وتنطلق هذه العملية من جهد ميداني واسع يشمل المحافظات السورية، حيث بدأت المديرية مؤخرًا تنفيذ مشروع لجرد التراث اللامادي في محافظة إدلب، عبر تدريب فريق من الباحثين الميدانيين على أساليب التوثيق وفق المعايير المعمول بها في “اليونسكو”.
وأوضحت عقيلي أن الفريق يعمل على جمع استمارات ترصد الحرف والممارسات والعادات في أربع مناطق من المحافظة، ضمن مسعى لبناء قاعدة بيانات دقيقة تمكن من تقديم ملفات ترشيح تستند إلى معطيات موثقة.
ويمتد هذا العمل ليشمل محافظات أخرى كانت قد سبقت إدلب في مشاريع الجرد مثل طرطوس وحلب وحمص وحماة، على أن تستكمل الخطة في المراحل المقبلة بمحافظة القنيطرة، بحسب عقيلي.
عقيلي أشارت إلى أن بناء هذه الشبكة من المعلومات الميدانية هو استثمار طويل الأمد، إذ يسمح بتحديد الممارسات المهددة بالاندثار، ويتيح الفرصة لإعداد ملفات جديدة بالتعاون مع دول عربية، مثل صناعة الفخار بقيادة الأردن، وقنوات الري التقليدية بالشراكة مع سلطنة عُمان، إضافة إلى الألعاب الذهنية الشعبية بالتعاون مع الجزائر.
ونوهت عقيلي إلى أن هذه الملفات تخضع لسلسلة إجراءات دقيقة تشمل التوثيق المصور والتنسيق مع المجتمعات المحلية، لضمان أن الترشيح ينبع من واقع حي يعكس استمرارية الممارسة ضمن بيئتها الأصلية.
مساعٍ لحماية الحاضر وإحياء الذاكرةقالت مديرة مديرية التراث اللامادي في وزارة الثقافة، رولا عقيلي، إن عمل المديرية لا يقتصر على الجرد والتوثيق، إذ ترى أن حماية التراث تتطلب إعادة إدماجه في الحياة العامة، كي لا يتحول إلى مادة أرشيفية خاملة.
وأضافت أن المديرية تعمل على مسار موازٍ يركز على الترويج والاحتفاء بالممارسات الحية، من خلال المهرجانات والأنشطة الثقافية التي تعيد تقديم التراث إلى الجمهور بطريقة تفاعلية.
ويأتي ذلك إلى جانب جهد معرفي يستعيد المراجع التراثية القديمة عبر إعادة طباعة الكتب النادرة، مثل نسخة منقحة من كتاب “الأزياء الشعبية في سوريا” لحسن حمامي، الصادر عام 1970، إضافة إلى نشر الدراسات والدوريات المتخصصة التي توفر للباحثين والمهتمين مادّة موثوقة ومحدثة.
وتشهد المؤسسات الثقافية فعاليات متعددة تتقاطع فيها الأنشطة التدريبية مع المعارض والمحاضرات، كما حدث مؤخرًا خلال الاحتفال باليوم العالمي للتراث اللامادي في المتحف الوطني بدمشق، حيث أقيم معرض وورشة تدريبية لحرفة الفسيفساء الحجرية، وترافق ذلك مع محاضرات تعرف بتاريخ هذه الحرفة، ودورة لتعليم التطريز للنساء في مدينة القطيفة.
اعتبرت عقيلي أن هذه الفعاليات ليست مناسبات احتفالية فحسب، بل جزء من خطة مستمرة تهدف إلى خلق علاقة يومية مع التراث، بحيث يصبح جزءًا من الممارسة الثقافية المعاصرة، ويعزز حضور الهوية السورية بوصفها هوية نابضة ومتجددة.
العناصر السورية المسجلة في قوائم “اليونسكو”:- الكحل العربي 2025.
- “البشت” (البردة الرجالية) 2025.
- حرفة صابون الغار الحلبي 2024.
- الزجاج المنفوخ يدويًا 2023.
- صناعة الأعـواد والعزف عليها 2022.
- الصقارة 2021.
- القـدود الحلبية 2021.
- الـوردة الشامية 2019.
- خيـال الظـل 2018.
مرتبط
إقرأ المزيد


