رحلات من “العذاب” دون تثبيت للمعلمين القادمين من تركيا
عنب بلدي -

عاد المدرّس السوري كمال محمد عيسى قبل أكثر من شهرين من تركيا، بعد أكثر من 12 عامًا قضاها في المهجر، عازمًا على العودة إلى صفوف التدريس، إلا أنه اصطدم برفض وزارة التربية تعيينه في المدارس السورية.

يقول إن أحد الموجهين التربويين وصفه ومن معه من المدرّسين الذين لجؤوا إلى تركيا بـ”الفارين من الجهاد”، وعامله كما لو أنه “عنصر من النظام السابق”.

تخرج عيسى عام 2008-2009، ودرّس لمدة ثلاث سنوات بالوكالة في قريته، كفر عويد، في مدينة معرة النعمان، وفي القرى المحيطة بها في ريف إدلب الجنوبي، ثم انتقل إلى تركيا أواخر عام 2012، بعد اندلاع الثورة السورية، واشتداد القصف على المناطق المدنية.

آلاف المعلمين المتطوعين في تركيا

لجأ المدرّس عيسى إلى مخيم مدينة نزب، التابعة لولاية غازي عينتاب التركية، ليتطوع بتدريس الطلاب السوريين في المخيم، لمدة ست سنوات، مشيرًا إلى أن السنوات الثلاث الأولى لم يتقاض فيها أجرًا، ثم تقاضوا أجورًا رمزية بعد ذلك.

انتقل المعلم السوري، بعد ذلك، للعمل في مدارس مدينة نزب التركية، إلى جانب المعلمين الأتراك، للمساهمة في رفع مستوى الطلاب السوريين، ليتوقف عملهم، بعد أن أنهت عقودهم منظمة “يونيسف” بين عامي 2021 و2022.

وكان الآلاف من المدرسين السوريين، الذين انتدبتهم منظمة “يونيسف” إلى المدارس التركية، أنهت عقودهم بشكل مفاجئ، بعد أن تكفلت بدفع رواتب لم تصل إلى الحد الأدنى المقرر في قوانين العمل التركية أحيانًا.

ووصل عدد المعلّمين السوريين “المتطوعين” في المراكز المؤقتة، في آب من عام 2017، إلى أكثر من 13 ألف معلّم ومعلّمة، وأعلنت وزارة التربية التركية حينها عن اكتفائها بهذا العدد.

وكانت تركيا ومنظمة “يونيسف” تعامل المعلمين كـ”متطوعين”، ما حرمهم الاستفادة من قوانين العمل الناظمة لعمل المدرسين في تركيا.

خبرات سابقة

قصة عيسى مشابهة لما جرى مع المدرّس عبد الكريم عبد الرحمن، الذي هاجر إلى تركيا عام 2012، وعاد بعد سقوط النظام، مع نحو 800 إلى 1000 مدرس، وفق تقديرات مدرسين قابلتهم عنب بلدي.

وخلال فترة عمله مع منظمة “يونيسف”، درّس عبد الرحمن وأشرف على طلاب سوريين في المدارس التركية، مسهمًا في بناء جسر تواصل بين الطلاب وأولياء الأمور والإدارات التركية.

كما عمل مرشدًا نفسيًا، وأمين مكتبة عامة، ومعاون مدير في مركز التعليم العام، وتابع تسجيل الطلاب السوريين في الدورات التعليمية لجميع الفئات العمرية من عمر 11 سنة حتى 50 سنة.

“نملك خبرة حقيقية في التعامل مع الأطفال واليافعين الذين عاشوا تجربة اللجوء، ونعرف لغتهم وطريقة تفكيرهم واحتياجاتهم التعليمية، خصوصًا أن كثيرًا منهم لم يكن يتقن اللغة العربية عند عودته”، يضيف المدرس في حديثه إلى عنب بلدي.

المدرّس حسين الحسين، الذي ينحدر من محافظة إدلب، وعمل بالتدريس في تركيا، أكد أنه تلقى ثلاث شهادات في التربية، إضافة إلى شهادة في تعلم اللغة التركية، حصل عليها من جامعة “كوتاهيا”، وهذه الشهادات تعادل التأهيل التربوي في سوريا.

كما تلقى العيسى شهادات مشابهة، وفق ما أفاد به.

مطالبهم: التثبيت والرقم الذاتي

يقول الحسين، “كنا نؤدي واجبنا بإخلاص تجاه أبنائنا الطلاب السوريين، ونزرع فيهم الأمل بالعودة وبناء الوطن، مؤمنين بأن رسالتنا التعليمية لا تتوقف عند الحدود”.

اليوم، وبعد عودته إلى وطنه الأم، يحمل الحسين أملًا بأن تُنصفهم وزارة التربية السورية، من خلال تثبيتهم في الملاك الرسمي، واحتساب سنوات خدمتهم السابقة أسوة بزملائهم داخل سوريا.

ويطالب المدرسون بتثبيتهم ضمن الوزارة، ليتسنى لهم متابعة عملهم في التدريس، ومنحهم أرقامًا ذاتية، وهي مطالب وصفها الحسين بأنها من حقهم المشروع، وهو الاعتراف بجهودهم في خدمة التعليم السوري خارج الوطن، ومتابعة رسالتهم تحت راية وزارة التربية في الداخل.

الوزارة تعلّق

من جانبها، وجهت وزارة التربية والتعليم بتشكيل لجنة متخصصة داخل الوزارة لتحديد آلية استكمال إجراءات عمل الكوادر التربوية السورية القادمين من تركيا، وفق ما أعلنته، الأحد 21 من كانون الأول.

وتشمل هذه الآلية إجراء المقابلات، تمهيدًا لاستكمال عمل الكوادر التربوية في المحافظات حسب الحاجة والشهادة العلمية التي يحملونها.

واعتبرت الوزارة أن توجيهها جاء تقديرًا للتضحيات والجهود التي بذلها الكادر التربوي السوري في تركيا، ويأتي في إطار تسوية أوضاع الكوادر الوظيفية أصولًا، وتعزيز وحدة المنظومة التربوية وضمان استقرار الكوادر التربوية، وفق ما أورته التربية.

احتجاجات في إدلب

نظم بعض المعلمين العائدين من تركيا، وقفة احتجاجية أمام مديرية التربية في مدينة إدلب، في 18 من تشرين الثاني الحالي، للمطالبة بإعادة تثبيتهم، وأشار كمال عيسى، الذي كان حاضرًا الوقفة، إلى أن مدير التربية وعد بإيصال القضية إلى الوزير ومتابعتها.

وكانت القضية وصلت بالفعل إلى وزارة التربية، وفق ما أخبر به المدرسون، إلا أنها ما زالت قيد الوعود التي لم تنفذ.

ووفق ما أشار إليه المعلمون، فقد اجتمعوا مع وزارة التربية، منتصف تموز الماضي، لبحث دمجهم ضمن كوادر التربية، بعد أن سلمت منظمة “يونيسف” ملفاتهم.

ونتجت عن الاجتماع وعود بدراسة كل طلب حسب الاختصاص والخبرة، وتثبيت الملف المقبول عاملًا في الدولة وأخذ رقم ذاتي وضم سنوات الخدمة لذاتية المعلم، بعد إجراء مقابلة في مديرية التربية بالمحافظة.

وسمحت الوزارة لأي شخص بتقديم الأوراق عن المعلم الموجود خارج البلد

بالمقابل، ستتحقق الوزارة من جميع الوثائق المقدمة، من خلال التواصل مع “يونيسف” ووزارة التربية التركية، مشددة على معاقبة من يقدم وثيقة غير صحيحة.

ووفق وثيقة اطلعت عليها عنب بلدي، طلبت الوزارة من مديري التنمية الإدارية، بقبول جميع طلبات المراجعين للمعلمين الذين عملوا خارج سوريا.

الأوراق المطلوبة هي:

  • صورة عن الهوية السورية.
  • صورة عن الهوية التركية “الكملك”.
  • صورة عن الشهادة العلمية.
  • صورة عن شهادات الخبرة والدورات المتبعة.
  • السيرة الذاتية.

وكانت وزارة التربية السورية أصدرت قرارات بإعادة المفصولين بسبب أحداث الثورة السورية، وإعادتهم إلى ملاك الوزارة.

على الجانب الآخر، تواجه الوزارة أزمة مشابهة، تتعلق بالمعلمين الذين كانوا ضمن مناطق شمال غربي سوريا، ضمن ملاك المجالس المحلية، التي كانت تتبع لـ”الحكومة السورية المؤقتة”.

وطالب معلمو الشمال السوري بتثبيتهم ومنحهم أرقامًا ذاتية، إلا أن مطالبهم ما زالت معلقة، لم تتجاوز الوعود بالحل.

مرتبط



إقرأ المزيد