عنب بلدي - 12/27/2025 2:58:09 PM - GMT (+2 )
عنب بلدي – كريستينا الشماس
شهدت الكنائس في معظم المحافظات السورية احتفالات واسعة بمناسبة عيد ميلاد السيد المسيح، في 25 من كانون الأول، اتسمت بأجواء من الفرح، حيث امتدت مظاهر العيد من داخل الكنائس إلى الشوارع والساحات العامة، ولا سيما في أحياء دمشق القديمة، المنطقة التي تضم أكبر تجمع للكنائس لمختلف الطوائف المسيحية.
وأقيمت القداديس في كنائس سوريا وسط مشاركة واسعة لأبناء الديانة المسيحية، ترافقت مع عروض موسيقية قدمتها فرق الكشافة التابعة للكنائس، وكرنفالات ميلادية جابت شوارع دمشق.
كما شهدت الكنائس تنظيم بازارات ميلادية وأنشطة ترفيهية للأطفال، إلى جانب إضاءة شجر الميلاد التي تحولت إلى نقاط تجمع للأهالي والزوار.
وعكست هذه الاحتفالات حالة من التفاعل المجتمعي مع المناسبة، حيث بدت الأحياء المسيحية نابضة بالحياة في مشهد أعاد للأعياد حضورها، ورسخ عيد الميلاد كمناسبة تجمع السوريين على الفرح وتبادل التهاني.
احتفالات سادها الأماناتسمت احتفالات هذا العام بطابع أوسع مقارنة بعيد الميلاد الماضي، الذي جاء متزامنًا مع مرحلة انتقالية حساسة عقب سقوط النظام، وما رافقها من فوضى أمنية، وحالة عدم يقين دفعت كثيرًا من الكنائس إلى الاكتفاء بالصلوات الداخلية دون مظاهر احتفالية.
وبدت الأجواء مختلفة هذا العام، إذ استعادت الكنائس نشاطها الاجتماعي، وامتلأت ساحاتها بالزينة والأضواء، بينما جابت فرق الكشافة الشوارع المحيطة وهي تعزف التراتيل الميلادية.
شارك طوني رعيدي، أحد سكان حي باب توما في دمشق، باحتفالات عيد الميلاد التي وصفها بـ”الاستثنائية”، إذ شارك مع عائلته بقداديس العيد، وحضر عددًا من عروض كشافات الكنائس دون هواجس أمنية كبيرة.
وقال طوني، لعنب بلدي، إن الإجراءات الأمنية كانت واضحة، لكنها غير خانقة، ما أعطى شعورًا بالطمأنينة بدل الترهيب.
بالنسبة لطوني، لم يكن العيد مجرد مناسبة دينية، بل شكّل إعلانًا غير مباشر عن بداية مرحلة جديدة، يشعر فيها المسيحيون بقدرتهم على ممارسة طقوسهم الدينية والاجتماعية بحرية أكبر، رغم وجود مخاوف سابقة لدى بعض أبناء الديانة المسيحية، خاصة بعد حادثة تفجير كنيسة “مار إلياس” بمنطقة الدويلعة في حزيران الماضي.
برأي كاترينا الصويري (22 عامًا)، فإن عيد الميلاد في العام الحالي مختلف تمامًا عن سابقه، ففي العام الماضي، لم تتمكن عائلتها من تزيين المنزل أو الخروج للاحتفال بسبب حالة الفوضى وعدم الاستقرار عقب سقوط النظام السابق.
أما هذا العام، فقد شاركت كاترينا في تنظيم بازار ميلادي داخل كنيستها، وعملت مع متطوعين آخرين على بيع منتجات يدوية وحلويات تقليدية.
وترى كاترينا أن ما ميز هذا العيد ليس فقط الاحتفال بحد ذاته، بل الشعور الجماعي بالأمان، وحضور أمني حول الكنائس بهدف الحماية وليس المنع، وهو ما أعاد الثقة لدى كثيرين بالخروج والمشاركة.
الميلاد يجمع العائلةإلى جانب الطابع الديني والاجتماعي، حمل عيد الميلاد هذا العام بعدًا عائليًا خاصًا، مع عودة عدد من المغتربين السوريين لقضاء العيد مع عائلاتهم، مستفيدين من تحسن نسبي في الوضع الأمني، وتأمين تسهيلات لهم على المعابر الحدودية.
عاد شربل محفوض، من أهالي بلدة صحنايا بريف دمشق ومقيم في هولندا، بعد غياب دام أكثر من سبع سنوات، للاحتفال مع عائلته بعيدي الميلاد ورأس السنة.
وجدت عائلة شربل في عيد الميلاد فرصة لإعادة لمّ الشمل، حيث اجتمع الأبناء والأحفاد حول مائدة واحدة للمرة الأولى منذ سنوات.
لم يكن عيد الميلاد هذا العام عند شربل مجرد احتفال ديني، بل لحظة استعادة للروابط العائلية التي مزقتها الهجرة القسرية.
وشكل عيد الميلاد هذا العام لحظة استثنائية لفاديا عوض (أم فادي)، التي استطاعت للمرة الأولى منذ نحو عشرة أعوام، أن تجتمع بابنيها اللذين لجآ إلى ألمانيا هربًا من الخدمة الإلزامية خلال حكم النظام السابق.
اعتادت “أم فادي” الاحتفال بالعيد بغياب أبنائها، إلا أن هذا العام وجدت نفسها تجلس معهم حول طاولة واحدة، في مشهد أعاد إليها معنى الميلاد الذي افتقدته طويلًا.
وترى أن هذا العيد كان مختلفًا عن كل ما سبقه، ليس من حيث الطقوس فقط، بل من حيث الشعور بالاكتمال العائلي، إذ عاشت تفاصيل العيد كما كانت تتمنى طوال سنوات الفراق، معتبرة أن “لمّة العائلة” أعادت للعيد روحه.
ولم يقتصر عيد الميلاد عند “أم فادي” على الصلوات والزينة، بل تحول إلى محطة عاطفية أعادت وصل ما قطعته الهجرة القسرية، ورسخت لدى كثير من العائلات شعورًا بأن الأعياد لا تكتمل إلا بوجود الأحبة.
العيد مساحة مشتركةلم تقتصر أجواء عيد الميلاد هذا العام على المسيحيين فقط، بل شهدت مشاركة لافتة من المسلمين في مختلف الفعاليات، سواء عبر حضورهم إلى الكنائس، أو مشاركتهم في إضاءة شجر الميلاد، أو التقاط الصور التذكارية في الساحات العامة.
وشوهدت عائلات مسلمة تزور الكنائس في باب شرقي، في تقليد اجتماعي يعكس طبيعة العلاقة التاريخية بين مكونات المجتمع السوري.
أحمد سعد، شاب يعمل في مجال التصوير، وجد في عيد الميلاد فرصة لتوثيق مشاهد الفرح في منطقة باب شرقي، معتبرًا أن العيد بات رمزًا للسلام والتعايش، وليس مناسبة دينية محصورة بطائفة معينة.
“تمثل المشاركة في هذه الاحتفالات رسالة بأن السوريين، رغم ما مروا به، لا يزالون قادرين على الاجتماع حول الفرح”، قال أحمد.
واصطحبت إيمان محمد، أطفالها لزيارة الكنائس، معتبرة أن عيد الميلاد يحمل بعدًا إنسانيًا قبل أن يكون دينيًا.
ترى إيمان أن وجود أطفالها أمام شجرة الميلاد ومشاركة المسيحيين احتفالاتهم، يعزز قيم المحبة والاحترام المتبادل.
مرتبط
إقرأ المزيد


