إيلاف - 1/14/2025 10:13:02 AM - GMT (+2 )
تتفاقم التوترات بين مالي والجزائر مجدداً وسط تبادل الاتهامات بين البلدين بـ"التدخل الإقليمي ودعم الجماعات المسلحة في منطقة الساحل"، بعد تصريحات لوزير الخارجية الجزائري دعا فيها الحكومة في باماكو للتفاوض مع مجموعة الأزواد الإثنية.
وفي بيان شديد اللهجة، اتهمت وزارة الخارجية المالية الجزائر بـ"التورط في زعزعة استقرار شمال مالي من خلال دعمها للحركات الانفصالية والجماعات الإرهابية"، معتبرة أن ذلك "تهديد مباشر للأمن الإقليمي".
وعلى مدى السنوات، اتسمت العلاقة بين الجزائر والأزواد بأبعاد تاريخية وسياسية مختلفة، أثرت على علاقة الجزائر بجارتها مالي في بعض الفترات، فمن هم الأزواد، ولماذا تحاول الجزائر دعمهم على حساب علاقتها بالحكومة المالية؟
من هم الأزواد؟ويعتبر الأزواد مجموعة إثنية متعددة الثقافات تضم خليطاً من العرب والفولاني والسونغاي، بالإضافة إلى الطوارق الذين يشكلون غالبية المجموعة، ويتميزون بثقافتهم الأمازيغية ولغتهم التماشقية.
ويعيش الأزواد في إقليم يحمل نفس الاسم على الحدود بين الجزائر ومالي، ويضم مناطق مثل "تمبكتو، كيدال، غاو، تودني ومنكا"، كما يقول الصحفي الجزائري - المالي المختص في شؤون الساحل الأفريقي حسين أغ عيسى لبي بي سي، إذ تبلغ مساحة الإقليم حوالي 822 ألف كيلومتر مربع، ويتوزع على مناطق تمثل قرابة 66 في المئة من مساحة مالي.
ويوضح أغ عيسى أن "الطوارق باعتبارهم الغالبية، يطالبون بانفصال الإقليم أو تمتعه بحكم ذاتي منذ سنوات، من أجل الحفاظ على الهوية الثقافية والسياسية والاقتصادية"، مشيراً إلى أن "أسباب المطالبة بالانفصال تعود إلى الإقصاء والتهميش الذي يعاني منه سكان الشمال، في ظل غياب التنمية الاقتصادية والخدمات الأساسية في مناطقهم، ورغبتهم في الحفاظ على هويتهم الثقافية واللغوية" على حد تعبيره.
وبدأ حراك الأزواد ضد الحكومة المالية منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1960، عندما تجاهلت الحكومات المركزية في باماكو مطالب الطوارق في الحكم الذاتي، ما أدى إلى اندلاع أول احتجاج للطوارق عام 1963، وواجهته الحكومة بالقمع حينها.
هدأ الوضع بين فترة من الزمن بعد عدة وساطات دولية أبرزها من الجزائر، غير أنه عاد للانفجار مجدداً خلال فترة التسعينيات، وتفاقمت الأزمة في 2012 عندما أعلنت "الحركة الوطنية لتحرير أزواد" استقلال الإقليم.
خلال تلك الفترة كانت التنظيمات المتطرفة تنشط بشكل كبير في مناطق أفريقيا وغرب أسيا، وساعدت التوترات في شمال مالي إلى انتشار عناصر تلك التنظيمات في البلاد ما أدى إلى تدخل عسكري دولي بقيادة فرنسا عبر عملية سيرفال، وهو ما زاد من تعقيد الصراع.
ما علاقة الجزائر بالأزواد؟وعلى مدى تلك السنوات من الصراع بين الحكومة المالية والأزواد، برز اسم الجزائر كـ"طرف" في الصراع الدائر تارة، وكـ"مُصالح" تارة أخرى، إذ تتهم الحكومة المالية نظيرتها الجزائرية بـ"دعم الحركات الأزوادية وفرض اتفاقيات سلام لا تخدم مصالح باماكو".
ويرى حسين أغ عيسى أن "الجزائر لا تدعم الأزواد، بل لديها فقط مصالح استراتيجية في دعم استقرار شمال مالي خشية انتشار الفوضى والسلاح عبر حدودها"، مشيراً إلى ان العلاقة التاريخية بين الحكومة الجزائرية ومجتمعات الأزواد هي علاقة "مستمرة بحكم الجوار والثقافة المشتركة وحتى المصاهرة".
ومنذ الستينيات، لعبت الجزائر دوراً أساسياً في تهدئة الصراعات بين الأزواد وحكومة مالي، من خلال اتفاقات كان أولها اتفاق تامنراست عام 1991، وآخرها اتفاق الجزائر عام 2015.
ففي عام 1991، اندلع صراع مسلح بين الأزواديين والجيش المالي في محاولة منهم للاستقلال عن مالي، لتتدخل الجزائر حينها وتجمع طرفي الصراع على طاولة مفاوضات أنتجت اتفاقاً في تمنراست بالجزائر في كانون الأول (ديسمبر) 1991، تعهدت فيه الحكومة بتخصيص قرابة 47 في المئة من ميزانيتها لإقليم أزواد، وتطبيق نظام لا مركزي يمنح الأزواد بعض الإدارة الذاتية، مقابل تخلي الجماعة عن السلاح والتنازل عن مطالبها بالاستقلال.
وفي العام التالي، تجددت المواجهات مرة أخرى، لتعود الجزائر كوسيط بين الأطراف، وجمعت الأطراف المتصارعة للتوقيع على اتفاق "المعاهدة الوطنية" عام 1992.
ورغم المناوشات بين الحين والآخر، استمر اتفاق "المعاهدة الوطنية قائماً حتى السادس من نيسان (أبريل) 2012، حين أعلنت "الحركة الوطنية لأزواد" قيام دولة مستقلة في الشمال المالي، بعد هجوم عنيف سيطرت قواتها المسلحة خلاله على مدن كيدال وتمبكتو وغاو.
واستمر ذلك الصراع عدة سنوات وتسبب في تهجير أكثر من 200 ألف مالي من المنطقة، لتتدخل الجزائر مرة أخرى للتوصل إلى وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاق "السلم والمصالحة في آذار (مارس) 2015.
ونص الاتفاق على منح الإقليم حكماً ذاتياً موسعاً، ودمج المقاتلين الأزواد في الجيش المالي، وتعزيز تمثيل المنطقة في المؤسسات السياسية والإدارية.
غير أن ذلك الاتفاق لم يصمد طويلاً، إذ ساعد الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد آسيمي غويتا عام 2021 على تجدد الصراع مرة أخرى.
ويرى أغ عيسى أن فشل الاتفاقات السابقة هو نتيجة "لغياب الإرادة السياسية، والصراع الداخلي بين الأطراف المتفاوضة، وعدم جدية الأطراف في تطبيق ما تنصه الاتفاقيات".
ويضيف حسين أغ عيسى لبي بي سي أن "الحكومة المالية تماطلت في تطبيق بعض البنود، مثل نقل الصلاحيات إلى السلطات المحلية في الشمال، بينما أبدت الحركات الأزوادية شكوكاً حول التزام باماكو بالاتفاق"، وأشار أيضاً إلى "تصاعد نشاط الجماعات الإرهابية في المنطقة، الذي يعقد الوضع ويزيد التوتر بين الأطراف".
فرنسا وفاغنر على حدود الجزائروخلال عقود من الصراع، تدخلت عدة أطراف دولية لا سيما فرنسا، وقوات فاغنر الروسية لدعم الحكومة المالية، وهو ما تراه الجزائر محاولة لـ"تحويل جماعات الأزواد إلى حركات إرهابية" كما قال وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف.
ففي عام 2021 استطاعت قوات مسلحة تابعة للأزواد من استعادة السيطرة على مواقع تتمركز فيها قوات فرنسية وأممية في المناطق الشمالية، وبعد إعلاق القوات الفرنسية انسحابها من مالي، استعانت الحكومة المالية بقوات فاغنر للسيطرة على مناطق الأزواد.
ويوضح حسين أغ عيسى أن "العلاقة بين أزواد وحكومة مالي تشهد تصعيداً مستمراً، حيث اندلعت اشتباكات مؤخراً بين الحركات الأزوادية المنضوية تحت الإطار الاستراتيجي الدائم للدفاع عن الشعب الأزوادي الذي تحول لاحقًا إلى جبهة تحرير أزواد، والجيش المالي"، مشيراً إلى أن هذا التصعيد جاء بعد انسحاب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (مينوسما) وما تبعه من محاولات الحكومة الانتقالية في مالي لبسط سيطرتها على المناطق الشمالية بدعم من فاغنر، خاصة المعسكرات السابقة للمينوسما، وهو ما ترفضه الحركات الأزوادية التي تطالب بهذه المعسكرات لكونها موجودة أصلاً في مناطق نفوذها".
وفي عام 2023، ساعدت عناصر فاغنر الروسية، الجيش المالي، على استعادة مدينة كيدال التي سيطر عليها الأزواد منذ عام 2012، وهو ما شكل مصدر قلق للجزائر.
وشدد الوزير الجزائري على تمسك بلاده بـ"مشاركة حركات الأزواد في أي مسار سياسي ومسعى للسلام في مالي"، مؤكداً أن الحكومة الجزائرية أوضحت لموسكو أنها "لن تقبل بتحويل حركات سياسية كانت طرفاً موقعاً على اتفاق الجزائر للسلم في مالي، بين ليلة وضحاها إلى عصابات إرهابية، وهذه الجماعات (حركات الأزواد) هي التي سيتم التفاوض معها مستقبلاً".
وأضاف عطاف أنّ "عودة المفاوضات آتية لا محالة، والوساطة الجزائرية آتية والحل السياسي أيضاً، والجزائر ستكون موجودة"، مشيراً إلى أن "الجزائر أرادت إقناع الصديق الروسي بالبديهيات التي عالجت بها الجزائر من خلال تجربتها الطويلة للملفات في منطقة الساحل، على مدى عقود وأن الحل العسكري في شمال مالي غير ممكن، إذ جُرب ثلاث مرات وفشل".
من جانبه يرى أغ عيسى أن المخاوف الجزائرية مشروعة، إذ أن "مجموعة فاغنر تعمل الآن كقوة داعمة للحكومة الانتقالية في مالي ضد الجماعات المسلحة، بما فيها حركات أزواد، لكنها ترتكب انتهاكات ضد المدنيين، مما يعمّق الأزمة"، معتبراً أن "فاغنر تسعى لتعزيز نفوذ روسيا في منطقة الساحل، مستغلة الصراع بين الحركات الأزوادية والحكومة المركزية".
ويتوقع أغ عيسى أن "استمرار الاشتباكات بين الحركات الأزوادية والجيش المالي، مع التدخلات الإقليمية في ذلك الصراع، قد يضغط على الجزائر والمجتمع الدولي للتوسط في مفاوضات جديدة".
ويوضح أغ عيسى أن "الحل المستدام لهذه الأزمة يكمن في تحقيق مصالحة وطنية شاملة حقيقية تُعطي الأولوية لتنفيذ الاتفاقيات السابقة، وتعزيز التنمية في شمال مالي، وضمان تمثيل حقيقي لأهل المنطقة في الحكومة المركزية".
إقرأ المزيد