إيلاف - 10/19/2025 11:07:31 PM - GMT (+2 )

إيلاف من بيروت: اعتقلت السلطات السورية أحد أقارب الأسد المرتبط بإمبراطورية الكبتاغون، والتي تقدر قيمتها بأكثر من 2 مليار دولار بحسب تقديرات عالمية.
وتقول السلطات السورية إن نمير بديع الأسد اعتقل في القرداحة مع شركاء مزعومين كجزء من حملة أوسع نطاقا بعد سقوط النظام على شبكات المخدرات والأسلحة.
وبحسب بيان رسمي صادر عن وزارة الداخلية السورية، فإن عملية الاعتقال جاءت بعد كمين مخطط له بالتعاون مع فرع مكافحة الإرهاب في المحافظة، أدى إلى القبض على نمير أسعد وعدد من شركائه، من بينهم قصي إبراهيم، قائد ما يسمى لواء الجبل، وهي وحدة أمنية كانت نشطة سابقاً في محيط جبل الأكراد والنبي يونس وقلعة صهيون.
صرح مسؤولون بأن المعتقلين أُحيلوا إلى مديرية مكافحة الإرهاب لاستكمال التحقيقات قبل عرضهم على القضاء المختص. وأوضح البيان أن هذه الخطوة تأتي في إطار حملة الحكومة الانتقالية الجديدة لملاحقة فلول النظام السابق وتطبيق القانون دون استثناء.
وتشكل هذه الاعتقالات التي طالت نمير ووسيم الأسد جزءًا من سلسلة عمليات بدأت بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024.
وتربط الروايات الحكومية المشتبه بهم بشبكات اقتصادية وأمنية عملت في عهد السلطات السابقة، وما يصفه المسؤولون بـ "الإخلال بالنظام العام وتعزيز الأنشطة غير القانونية".
محاسبة الشخصيات النافذة
وقال المسؤولون أيضا إن الإجراءات الأخيرة تظهر تصميما على محاسبة الشخصيات القوية في المجالات الاقتصادية والعسكرية، بما في ذلك عصابات تهريب المخدرات والأسلحة المزعومة.
الكبتاجون هو أحد أكثر الصادرات غير المشروعة ربحية في المنطقة، وزعمت التقييمات الدولية أن النظام المخلوع كان يسيطر على حصة كبيرة من سوق الكبتاجون، وأن أفراد عائلة الأسد استفادوا بشكل مباشر من هذه التجارة غير المشروعة.
الكبتاجون، وهو في الأصل منشط دوائي ظهر في ستينيات القرن الماضي، يشير الآن إلى أقراص مقلدة تحتوي على مواد شبيهة بالأمفيتامين، وغالبًا ما تكون أمفيتامينًا ممزوجًا بالكافيين؛ وتُشير التقارير إلى وجود مراكز إنتاج واسعة النطاق في سوريا ولبنان ، مع وجود أسواق استهلاكية رئيسية في شبه الجزيرة العربية.
"كوكايين الفقراء"
وقد أصبح الكبتاجون من أكثر الصادرات غير المشروعة ربحية في المنطقة، حيث تبلغ قيمته مليارات الدولارات سنويًا. وهذا المخدر المعروف باسم "كوكايين الفقراء" هو منشط صناعي من نوع الأمفيتامين.
ووفقاً لمصادر إسرائيلية فقد وُجد أن بعض عناصر حماس الذين نفذوا عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) كانوا تحت تأثير الكبتاجون. وُجدت أقراص من هذا المخدر في جيوب العديد ممن لقوا حتفهم على الأراضي الإسرائيلية.
مكّن هذا المخدر "الإرهابيين" من ارتكاب أعمال شنيعة بهدوء وطمأنينة. وفي الوقت نفسه، أبقاهم في حالة تأهب قصوى لفترات طويلة، وكبح شهيتهم.
10 مليارات دولار سنوياً
ويقدر الخبراء أن قيمة تجارة الكبتاجون في سوريا تصل إلى نحو 10 مليارات دولار سنوياً، وتبلغ حصة عائلة الأسد منها نحو 2.4 مليار دولار.
وقال القاضي مروان اليوسف، المستشار السابق في المحكمة العليا السورية، لوكالة ميديا لاين إن "اعتقال نمير ووسيم الأسد يمثل خطوة مهمة في بناء العدالة الانتقالية، لأنه يوضح أن القانون يمكن أن يصل حتى إلى أولئك الذين كانوا يعتبرون شخصيات مؤثرة داخل النظام السابق".
وأضاف أن "القانون السوري الجديد يسمح بملاحقة كل من تورط في أنشطة غير مشروعة أو تمويل جرائم منظمة خلال فترة النظام السابق، بما في ذلك تورطه في شبكات اقتصادية وأمنية أثرت على المجتمع".
وقال القاضي إن الاعتقالات تشير إلى أن عصر الإفلات من العقاب قد انتهى وأن سيادة القانون سوف تطبق بغض النظر عن الروابط العائلية أو السياسية.
وقال العقيد المتقاعد سامر ديب، الخبير في التحقيقات الجنائية، لوكالة ميديا لاين إن "التحقيقات الأولية تشير إلى أن شبكة نمير الأسد اعتمدت على أساليب معقدة بما في ذلك الممرات الجبلية والموانئ لتسهيل تهريب المواد غير القانونية، مع عمل أفراد الأمن السابقين كغطاء".
اعتقال قائد لواء الجبل
وأضاف أن "اعتقال قائد ما يسمى لواء الجبل يعكس الطبيعة العسكرية والأمنية لهذه الشبكات، حيث قامت بحماية عمليات التهريب وضمان استمرارية نشاطها داخل المناطق الساحلية السورية".
وأشار الخبير الجنائي أيضاً إلى أن "اعتقال وسيم ونمير أسعد خلال فترة قصيرة يدل على جدية السلطات الجديدة في ملاحقة كل الفاعلين الذين كانوا جزءاً من بنية السلطة السابقة، سواء في القطاع العسكري أو الاقتصادي".
ويرى المراقبون أن اعتقال اثنين من أقارب الرئيس السابق بشار الأسد يشكل تحولاً كبيراً في السياسة القضائية والأمنية بعد سقوط النظام، مما يفتح الطريق أمام عملية المساءلة التي قد تشمل محاسبة المسؤولين عن الجرائم الاقتصادية والأمنية المرتبطة بالنظام السابق، وتحقيق العدالة لضحايا الفساد والعنف على مدى العقود الماضية، وإعادة بناء الثقة العامة في المحاكم والأجهزة الأمنية.
ملفات فساد الكبار تحت المجهر
أفادت مصادر قضائية بأن وزارتي العدل والداخلية تجمعان ملفاتٍ عن شبكات الفساد والنفوذ السابقة لإحالتها إلى جهاتٍ متخصصة لضمان إجراءاتٍ عادلةٍ وشفافة. وتشمل الأسماء قيد المراجعة، بحسب التقارير، شخصياتٍ تزعم الحكومة تورطها في جرائم حرب أو فساد، مثل سهيل الحسن، وقادةٍ سابقين في المحافظات، لا سيما في دمشق.
خلال حكم بشار الأسد ، تمتع بعض الشخصيات الأمنية والعائلية بنفوذ كبير، وأشرفوا على شبكات تهريب المخدرات والأسلحة عبر المحافظات الساحلية والحدودية. وكانت هذه الشبكات، التي تعمل تحت غطاء رسمي، صعبة الملاحقة آنذاك.
لطالما أشارت تقارير حقوق الإنسان والتقارير الإقليمية إلى تداخل بين النفوذ العسكري والاقتصادي داخل دائرة النظام، حيث استغلت العائلات والمجموعات الأمنية ثروات غير مشروعة لتمويل أنشطتها السياسية والأمنية. وفي السنوات الأخيرة، شنت الدول المجاورة عمليات عبر الحدود لوقف شحنات الكبتاغون القادمة من الأراضي السورية.
يُعطي هذا التاريخ وزنًا إضافيًا للاعتقالات الأخيرة، مما يُشير إلى سعيٍ لتفكيك شبكات الإكراه وإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والقضائية وفقًا لمعايير قانونية أوضح. بموجب قانون المخدرات السوري (القانون رقم 2 لعام 1993)، يُعاقب على تصنيع المخدرات والاتجار بها بعقوباتٍ صارمة، بما في ذلك السجن لفتراتٍ طويلة، وفي الحالات المُشددة، الإعدام.
صرح متحدث باسم وزارة الداخلية لوكالة "ميديا لاين" بأن "الاعتقالات الأخيرة تأتي في إطار جهود الدولة لضمان سيادة القانون، وملاحقة جميع من شارك في أنشطة إجرامية أو أضرّ بالأمن العام خلال فترة النظام السابق. وستضمن هذه الإجراءات تطبيق العدالة دون استثناء، مما يعكس التزام الحكومة الجديدة بملاحقة جميع المجرمين وفقًا للقانون".
وسيم ونمير الأسد
وقال المتحدث إن وسيم ونمير الأسد وأعضاء شبكاتهما سيواجهون تحقيقا قضائيا كاملا مع ضمان حقوقهم القانونية، واصفا هذه الخطوة بأنها أول إنجاز عملي في مسار العدالة في البلاد بعد النظام.
يُشير اعتقال نمير ووسيم أسعد، مجتمعين، إلى عزمٍ على ملاحقة أصحاب النفوذ السابقين ومحاسبة المتورطين في الجرائم الاقتصادية والأمنية. كما تُمهّد هذه الخطوة الطريق لآليات محاسبة أوسع نطاقًا للفساد والعنف على مدى العقود الماضية.
ويتوقع المحللون أن تشمل المرحلة المقبلة ملاحقة أوسع لشخصيات الأمن والعائلة السابقة التي ساعدت في ترسيخ النفوذ غير المشروع، وإصلاح الأجهزة الأمنية والقضائية لضمان الاستقلال والفعالية، وأجندة المصالحة والعدالة التي توازن بين المساءلة وحقوق الضحايا.
وبشكل عام، تُعتبر هذه الإجراءات بمثابة نقطة تحول بعد انهيار النظام السابق ــ حيث تتقاطع القوانين والسياسة والأمن لبدء حقبة أكثر استدامة من سيادة القانون.
إقرأ المزيد