إيلاف - 11/6/2025 11:40:12 AM - GMT (+2 )
تُحذّر الجيوش حول العالم من الحاجة المُلحّة لإعادة التسلح، إذ إن انهيار المناخ أصبح تهديداً أمنياً رئيسياً، حتى مع استمرار ارتفاع انبعاثات الكربون الخاصة بها.
ومؤخراً حذّر تقرير جديد صادر عن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، من أن الإنفاق العسكري المُتزايد قد يُسرّع من انهيار المناخ.
بالإضافة إلى ذلك، قد يُشير انتشار النزاعات التي من المُحتمل أن تطول حول العالم إلى زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري في المستقبل المنظور، وبالتالي إلى ارتفاع في انبعاثات الكربون.
ويشعر بعض الخبراء بالقلق أيضاً من تحويل الموارد من التخفيف من آثار المناخ والتكيّف معه إلى الدفاع.
لا يوجد مصدر دقيق واحد لأرقام الانبعاثات التي تُسببها الجيوش حول العالم، لكن بعض الحكومات تنشر هذه الأرقام طواعية.
وقد أخذ بعض الخبراء لمحة عالمية بناء على التوقعات والحسابات.
ووفقاً لأحدث تقرير للأمين العام للأمم المتحدة: "تشير أفضل التقديرات الحالية إلى أن القطاع العسكري عالمياً يُصدر ما بين 3.3 إلى 7 في المئة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية".
ولو افترضنا أن جيوش العالم عبارة عن دولة، لكانت رابع أكبر مصدر للانبعاثات بعد الصين والولايات المتحدة والهند، وفقاً لدراسة مشتركة صدرت عام 2022 وأُجراها مرصد الصراعات والبيئة، وهو مؤسسة خيرية في المملكة المتحدة تُجري أبحاثاً حول الآثار البيئية للأنشطة العسكرية، ومنظمة (علماء من أجل المسؤولية العالمية)، وهي منظمة مستقلة تُدافع عن ممارسة العلوم والتكنولوجيا القائمة على الأخلاق.
ويُشير تضخم الميزانيات العسكرية حول العالم إلى أن الوضع سيزداد سوءاً.
ففي عام 2024، بلغ الإنفاق العسكري العالمي 2.7 تريليون دولار أمريكي، مُسجلاً زيادة بنسبة 9.4 في المئة عن العام السابق، وهو ارتفاع قياسي منذ نهاية الحرب الباردة على الأقل، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وهو منظمة مستقلة تُجري أبحاثاً حول الصراعات.
ويُشير التقرير الأممي إلى أن أكثر من 100 دولة رفعت إنفاقها العسكري في عام 2024، مع نمو سريع بشكل خاص في أوروبا والشرق الأوسط.
في وقت سابق من هذا العام، أعلنت منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن الدول الأعضاء فيها ستزيد إنفاقها على الدفاع والأمن من 2 إلى 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2035.
يأتي هذا بعد أن زادت البصمة الكربونية العسكرية الإجمالية لأعضاء الناتو بمقدار 30 مليون طن بين عامي 2021 و2023- عقب زيادة الإنفاق العسكري خلال الفترة نفسها.
ويعادل هذا تقريباً وضع أكثر من ثمانية ملايين سيارة إضافية على الطريق، وفقاً للمعهد العابر للحدود الوطنية، وهو معهد دولي للأبحاث والدعوة يعمل على استدامة الكوكب.
ما هي الأسلحة الأكثر تلويثاً؟يحذر الخبراء من أن التحدي الحقيقي يكمن في إزالة الكربون من أنظمة الأسلحة الثقيلة مثل الطائرات المقاتلة والدبابات والسفن الحربية والغواصات التي تتطلب كمية كبيرة من الوقود لتشغيلها.
ويقولون إن الطائرات المقاتلة تُعد عالمياً من بين أكثر الآلات استهلاكا للطاقة أثناء التشغيل. وفي الجيش الأمريكي، شكّل وقود الطائرات 55 في المئة من إجمالي استخدام الطاقة لوزارة الدفاع الأمريكية (التي أُعيدت تسميتها الآن بوزارة الحرب الأمريكية) على مدى نصف القرن الماضي، وفقاً لدراسة نُقل عنها على نطاق واسع.
ووفقاً لدراسة أُجريت عام 2022 ونُشرت في مجلة نيتشر، فإن كل 100 ميل بحري (185 كيلومترا) تُقطعها طائرة مقاتلة تابعة لسلاح الجو الأمريكي من طراز إف- 35 (F-35)، ينبعث منها كميةً من ثاني أكسيد الكربون تُعادل ما تُصدره سيارة بريطانية متوسطة الحجم تعمل بالبنزين في عام واحد.
وأضافت الدراسة "يُنتج استخدام وقود الطائرات من قِبل الجيش الأمريكي وحده انبعاثات تُعادل ستة ملايين سيارة ركاب أمريكية سنوياً".
ورغم ذلك، زادت الولايات المتحدة إنفاقها العسكري في عام 2024 بنسبة 5.7 في المئة عن العام السابق، محتفظة بتصدرها قائمة أكبر مُنفق على الدفاع في العالم، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
يقول دوغ وير، من مرصد الصراعات والبيئة "إن زيادة الإنتاج العسكري بغرض زيادة المخزونات، أمر مُستهلك للطاقة، بينما لا يزال التطور التكنولوجي في صناعة تقنيات عسكرية تخفض انبعاثات الكربون محدودة".
أولويات واضحةسألت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وزارة الحرب الأمريكية عن تأثير هذه الزيادة في الإنفاق على انبعاثات الكربون، وما إذا كانت هناك أي خطط لإزالة الكربون من قطاعها العسكري.
وصرح المتحدث باسم البنتاغون، شون بارنيل، في رد عبر البريد الإلكتروني على سؤال هيئة الإذاعة البريطانية "تقوم وزارة الحرب الأمريكية بإلغاء برامج ومبادرات تغير المناخ التي تتعارض مع المهمة الحربية الأساسية للوزارة".
وأضاف "نحن نركز على تحسين القدرة على الفتك، ومهارات القتال، والاستعداد كخطوط رئيسية للجهود. ونقوم بذلك بثلاث طرق: استعادة روح المحارب، وإعادة بناء جيشنا، وإعادة ترسيخ الردع".
ولم يُجب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن أسئلة مماثلة وُجهت إليه، لكن المحللين يقولون إن جهود المنظمة لتعويض انبعاثات الكربون المتزايدة ليست فعّالة بشكل خاص.
وصرّحت ديميترا كوتوزي، مسؤولة السياسات العليا في المنظمة الأوروبية للجمعيات العسكرية والنقابات العمالية في بروكسل، قائلة "في الوقت الحالي، لا تزال جهود إزالة الكربون متواضعة مقارنةً بحجم ميزانيات إعادة التسليح".
وحذّرت قائلة "بدأت الصناعات الدفاعية الأوروبية بدمج كفاءة الطاقة والاستدامة في خططها، لكن الأنظمة التي تُنتج اليوم ستستغرق سنوات قبل أن تصبح جاهزة للتشغيل".
في حين يصعب قياس التكلفة الدقيقة للصراعات من حيث الأضرار المناخية، فإن بعض الحروب الحالية تُشير إلى فداحة تأثيرها على البيئة.
ووفقاً لتقرير نُشر عام 2024، قدّر تقييم للحرب بين روسيا وأوكرانيا الانبعاث بحوالي 175 مليون طن من غازات الاحتباس الحراري في أول عامين من الصراع.
وقدّرت دراسة أخرى نُشرت في مايو/ أيار الماضي حول حرب إسرائيل وغزة انبعاثات الكربون من الأنشطة العسكرية المباشرة بنحو 1.9 مليون طن، وهو ما يزيد عن الانبعاثات السنوية لـ 36 دولة ومنطقة.
يقول ريتشارد نيوجي، الجنرال المتقاعد من الجيش البريطاني والمسؤول الكبير السابق في حلف شمال الأطلسي "سواء كانت طائرة نفاثة سريعة، أو فرقاطة، أو دبابة، فإننا لا نملك بعدُ التكنولوجيا التي ستوفر قدرة خالية من الانبعاثات".
ويضيف "ولذلك، علينا أن نقبل حقيقة مفادها أنه ما لم تتوافر هذه التكنولوجيا، فلن نتمكن من خفض انبعاثاتنا بالقدر الذي نرغب فيه".
لذا، فإن زيادة الأموال المخصصة للدفاع تعني انخفاضاً في تمويل المناخ.
ويُظهر تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، الصادر في سبتمبر/ أيلول الماضي، أن الفجوة التمويلية السنوية لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة تبلغ بالفعل 4 تريليونات دولار (نصف هذا العجز مخصص تحديداً لاحتياجات الطاقة والمناخ).
ويُحذّر التقرير أيضاً من أن العجز سيتسع إلى 6.4 تريليون دولار في السنوات القادمة، في الوقت الذي يُتوقع فيه أن يصل الإنفاق العسكري العالمي إلى 6.6 تريليون دولار بحلول عام 2035. كما يُشير إلى أن أغنى دول العالم تُنفق على جيوشها أكثر بثلاثين مرة مما تُنفقه على توفير تمويل المناخ للدول الأكثر ضعفاً.
وعقب محادثات المناخ الأخيرة في مؤتمر المناخ كوب 29 في أذربيجان، وافقت الدول المتقدمة المشاركة على توفير 300 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2035، بينما تُصرّح الدول النامية بأنها بحاجة إلى أكثر من تريليون دولار سنوياً للتكيف مع أسوأ آثار تغير المناخ.
وقال خوان كارلوس مونتيري غوميز، الممثل الخاص لبنما المعني بتغير المناخ، خلال محادثات المناخ كوب 29 في باكو، بأذربيجان، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 "يبلغ الإنفاق العسكري العالمي حوالي 2.5 تريليون سنوياً". وأضاف متهكماً "2.5 تريليون دولار لقتل بعضنا البعض ليس مبلغاً كبيراً، لكن تريليون دولار لإنقاذ الأرواح مبلغ غير معقول".
ولكن الآن، ثمة شكوك حول ما إذا كان سيتم الوفاء حتى بالالتزامات السابقة.
فوفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، أعلنت 11 دولة مانحة عن تخفيضات في مساعداتها الإنمائية الرسمية- أي المساعدات الخارجية التي تشمل أيضاً تمويل المناخ- للفترة من 2025 إلى 2027.
وعلى سبيل المثال، أعلنت المملكة المتحدة أنها ستزيد الاستثمار في الدفاع من خلال خفض الإنفاق على المساعدات من 0.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.3 في المئة بحلول عام 2027.
وصرحت إيزومي ناكاميتسو، الممثلة السامية للأمم المتحدة لشؤون نزع السلاح، لبي بي سي "العديد من دول الشمال، ودول غرب أوروبا على سبيل المثال، تخفض ميزانيات التعاون الدولي، ثم تحولها إلى أولويات الدفاع، وميزانية الدفاع".
وأضافت أن هذا التحويل للتمويل قد يعني انخفاض الموارد المالية المخصصة لقطاعات أخرى، مثل المناخ والإنفاق الاجتماعي، وغيرها.
ويقول الجنرال نيوجي: "سيكون لدينا جيوش شئنا أم أبينا".
ويضيف "أفضل طريقة لمنع الجيوش من زيادة انبعاثاتها في الحروب هي امتلاك جيش قوي في المقام الأول ليكون رادعاً، وهذا ما يسعى إليه حلف شمال الأطلسي (الناتو) وبريطانيا.
وقد يتساءل آخرون في المقابل عما إذا كانت الجيوش القوية قادرة حقاً على حماية الناس من الآثار المدمرة لانهيار المناخ، أو أنها ستُعجّل من آثاره.
- التغيّر المناخي والمعلومات المضلّلة: كيف تحوّلت قضيّة البيئة إلى نزاع حول الحقيقة؟
- بين "الإعصار العظيم" و"إعصار القرن": ما أقوى الأعاصير في التاريخ؟
- كيف تحول موسم تسلق جبال الهيمالايا الخريفي إلى كارثة؟
إقرأ المزيد


