سنا - 7/31/2025 12:11:37 AM - GMT (+2 )

دمشق-سانا
عكس ملتقى الكتاب السوريين الذي احتضنته المكتبة الوطنية بدمشق في يومه الرابع والأخير، تطلع المثقفين في سوريا إلى حرية التعبير ورفع الصوت، وإلى مساحة تجمعهم على مختلف انتماءاتهم وإبداعاتهم وآرائهم.
– جورج صبرا.. الثورة قامت بوجه ثقافة الانصياعالباحث جورج صبرا في ندوة ألقاها في المكتبة الوطنية بعنوان الثقافة السورية بين الماضي والحاضر، أكد أننا نعيش في سوريا زمناً جديداً صنعته تضحيات السوريين من أجل الحرية والكرامة، وأعلنه انتصار الثورة يوم الثامن من كانون الأول الماضي، طويت فيه صفحة الماضي المعتم، التي عمّمها النظام البائد خلال ستة عقود نشر بها ثقافة الانصياع وغابت الحرية، فرمى بآلاف المعتقلين في السجون.
وبيّن صبرا أن غياب الحرية يعني حكماً غياب الثقافة، وفي عهد الزمن البائد أصبحت ممارسة السياسة فعلاً محرّماً وجرماً، مشيراً إلى أنه رغم ذلك بقيت سوريا ولّادة لفنانين ومبدعين وسياسيين في مختلف فنون الثقافة ممن لمع نجمهم في أرجاء الأرض، مستلهمين أصوات المتظاهرين ومطالبتهم بالحرية واحترام إرادة الشعب، بوجه حاكم لا يتوانى عن إشعال حرب ضد شعارات الثورة.
– مرتكزات المنظومة الثقافية الجديدة برأي صبراوأكد صبرا أن الحاضر بعد مجريات الثورة والمشاركة الشعبية الواسعة فيها يستوجب منا العمل على ثلاثة مرتكزات للمنظومة الثقافية، الأولى التعددية التي تعتبر حقيقة منذ نشوء سوريا كدولة في ثلاثينات القرن الماضي، وتعكس حقيقة النسيج الوطني السوري، والركيزة الثانية هي المشاركة وتعتبر حقاً من حقوق المواطنة، ولاسيما مشاركة المرأة السورية والتي هي البطل الأول في الثورة والمتميزة بتضحياتها، وأما الركيزة الثالثة فهي المساءلة واعتماد سيادة القانون والقضاء العادل في إعادة بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها.
– أمسية الشعر والقصة من الوجدان وقضايا الإنسانمن قلب وجع حقيقي سردت لنا الكاتبة عبير النحاس قصة قصيرة اقتبستها من أول مجموعة قصصية صدرت لها منذ ربع قرن بعنوان قطعة من فلسطين، صورت فيها بأسلوب تراجيدي كيف أطفأت رصاصة غادرة خلال الحرب ضحكة طفل بريء هادئ متلق بوالدته ومحب للجيران والحياة.
فيما عنونت قصتها الثانية بـ “صداقة بطعم الشوكولاته”، والتي حملت فيها الحضور بكل رشاقة إلى عالم الصداقة الحقيقية غير المشوبة بأي زيف، فكانت الشوكولاته هي الخيط الذي ربط ذكرياتها بصديقتها، ولامست فيها قلب كل إنسان صادق بأسلوب رقيق ممتع.
وبالانتقال إلى عالم الشعر صدحت القاعة بأبيات وجدانية للشاعر سليمان جيجان فمن قصيدته “سيرتي كلماتي” التي طغت عليها معاني العنفوان والفخر بالأصالة، إلى الغزل العذري في قصيدة “زهرة المنفى”، ثم نظم أبياتاً استنبطها من بيئته التي طالما عشقها بعنوان “سيرة نهر عظيم”، وصف فيها نهر الفرات وضفافه وحكايات شجر الحور التي تفيض وفاء ومجداً وشموخاً.
وعرّج الأديب غسان حورانية من خلال قصته “الكمامة الزرقاء” إلى زمن انتشار وباء الكورونا، واصفاً تفاصيل الظلم على طفل لعائلة أرهقها الفقر المدقع إلى حد لم يسمح لها بتامين حذاء له، فاستخدم الكمامة لستر فجوة فيه، وهو ما جعل المعلم يستشيط غضباً عليه، إلى أن ظهرت آفة العوز أمام الجميع.
– من رجالات دمشقوحط الملتقى رحاله في آخر محطاته عبر ندوة /رجالات دمشق/ للدكتور حسان الطيّان، والذي قسمهم إلى ثلاث زمر بدءاً من المحظورين، وفيهم الأديب والعلامة علي الطنطاوي الذي نُفي وحُرم من دمشق وهي حبيبته التي تغزّل بها كثيراً، ومما قاله فيها: “هذه دمشق أقدم مدن الأرض وأجملها، هواؤها أطيب هواء وماؤها أعذب ماء، وسكانها من أكرم السكان، فبها العلم والأدب والتقى والصلاح، والحب فيها وله، وفيها الفنون والجمال، كانت لُبّ العربية وستبقى”.
– الشاعر أنور العطار والنحويان الأفغاني والنفاخوتطرّق الطيّان إلى رفيقي عمر الطنطاوي وهما الشاعر أنور العطار ونحوي الشام والعصر سعيد الأفغاني، الذي جاء بهم ثلاثتهم الرئيس محمد كرد علي ليقيم لهم بمجمع اللغة العربية أمسيةً من باب التشجيع، فنشؤوا رجالاً بحق، فيما شكّل صهر الطنطاوي الشيخ عصام العطار نفثة عطرة من نفثات الشام.
ثم انطلق الطيّان إلى صديق العطار، العلامة أحمد راتب النفاخ الذي كان جبل علم، يرفع راية العربية بكل محفل ويبني الرجال، إلا أن النظام البائد حال دون أن يكمل مسيرته التعليمية، مسلطاً الضوء على سعيد الطنطاوي، والإمام الفقيه العالم الأصولي حسن هيتو الذي ألّف موسوعة بلغ فيها المجلد 75، بعضها مرسومة بخط يده.
– المبدعون المغمورونأما الزمرة الثانية من الرجال التي أشار إليها الطيّان فهي المغمورون الذين أبدعوا وبرعوا وافتّنوا في الأدب والخِطابة، لكن لم يذكرهم إلا القليل، وأولهم أديب الخطباء الشيخ هشام الحمصي الذي يطرف بكل جديد دائماً، ولم يُنافق أبداً، وطبيب الأسنان الأديب الخطيب خلدون مكي الحسني، كان منّظراً للثورة السورية واعتقل قبلها، وبقي مجاهداً إلى أن استشهد تحت التعذيب في سجن صيدنايا.
والزمرة الأخيرة هي المتأثرون المتدمشقون، وأولهم شاعر الثورة أنس الدغيم الذي يتغنى بدمشق ويحبها وهي تتغنى به وتحبه، إضافةً لشاعر الإسلام مصطفى عكرمة وله بدمشق ديوان، وكذلك الشاعر الكويتي المحقق البحاث الشيخ محمد بن ناصر العزوي الذي عشق دمشق وأكرمها فخلدته.
– تكريم المشاركين في ملتقى الكتاب السوريينفي ختام الملتقى كرّم وزير الثقافة محمد ياسين الصالح، ورئيس اتحاد الكتاب العرب محمد طه العثمان 24 من الأدباء والمثقفين المشاركين في الملتقى، إضافة للفريق الذي تولى تنظيم أيامه الأربعة.
وأكد الوزير الصالح في تصريح لـ سانا أن هذه الفعاليات تصب في إطار التحضير لمعرض دمشق الدولي للكتاب بنسخته الأولى بعد تحرير سوريا، بهدف استعادة سرديتنا الحضارية.
ونوه الوزير الصالح بنجاح الملتقى وبالحضور وبالمحاضرات نوعاً وكماً، وكذلك بالقدرة التنظيمية للمكتبة الوطنية التي بدأت تستعيد عافيتها، والشراكة بين وزارة الثقافة واتحاد الكتاب السوريين، مضيفاً: إن اليوم هناك رسالة مهمة تقولها الوزارة لكل كاتب وصاحب قلم ورأي أنه ليس هناك سلطة توجه الكلمة، فالسلطة اليوم واجبها أن تحمي الكلمة وصاحبها، وأن ترفع سقف الحرية، وهذا ما نفعله من خلال هذه الفعاليات.
إقرأ المزيد