مدير عام الآثار والمتاحف: رؤية إستراتيجية لتأهيل وحماية المواقع الأثرية السورية
سنا -

دمشق-سانا

في ظل ما تعرض له التراث السوري من أضرار جسيمة خلال السنوات الماضية، جراء قصف النظام البائد الكثير من المواقع، وانتشار عصابات سرقة الآثار، وتعرض العديد من الأوابد للانتهاكات، تعمل المديرية العامة للآثار والمتاحف على بلورة رؤية إستراتيجية شاملة لحماية وتأهيل المواقع الأثرية، والمتاحف الوطنية المنتشرة في أرجاء سوريا.

وفي هذا السياق، يكشف الدكتور أنس حج زيدان مدير عام الآثار والمتاحف في حوار مع سانا عن ملامح هذه الرؤية، وأبرز المشاريع والاتفاقيات الدولية، والتحديات الميدانية والكوادر المتخصصة، ودور المجتمع في حماية الهوية الثقافية السورية، وإعادة تأهيل المواقع الأثرية، والتعاون مع المنظمات الدولية.

إحصاء الأضرار التي طالت القطاع الأثري في سوريا

استهل الدكتور زيدان حديثه لـ سانا بالقول: كان من أولويات عمل المديرية بعد التحرير إجراء إحصاء دقيق للأضرار الناتجة عن القصف والزلزال، ولا سيما في المواقع الأشد تضرراً مثل قلعة الحصن، أفاميا، حلب القديمة، بصرى، وغيرها، حيث تم التنسيق مع وزارات الداخلية والدفاع والإعلام، لتوثيق الأضرار ورفعها للجهات المعنية، ومخاطبة منظمات اليونيسكو، الإيسيسكو، الألكسو، وإيكوموس، لتقديم الدعم والمساعدة، لكون التراث السوري جزءاً من التراث العالمي، ولديها خطط واضحة لحمايته واستعادته.

نشاط مكثف خارجي لإعادة الاعتبار للتراث السوري

بين زيدان أن المديرية أجرت في الأشهر الماضية سلسلة من الاجتماعات والجولات محلياً ودولياً، في بولونيا، وإيطاليا، وفرنسا، إضافة إلى منظمة اليونيسكو، وغيرها، كما التقت مسؤولين في وزارات الخارجية لعدة دول ومعنيين بالتراث العالمي، وتم تمثيل سوريا في مؤتمر إيكوموس للتراث العالمي بمدينة ليون، ومؤتمر اليونيسكو للتراث العالمي.

مساع لإعادة مواقع سورية للائحة التراث العالمي

ولفت زيدان إلى أن سوريا تمتلك ستة مواقع مسجلة على لائحة التراث العالمي منذ عام 2011، لكنها وضعت عام 2013 على اللائحة الحمراء، وتسعى المديرية حالياً لنقل (بصرى بدرعا، قلعة الحصن بحمص، وقلعة صلاح الدين باللاذقية) من اللائحة الحمراء للائحة التراث العالمي.

رفع المواقع من اللائحة الحمراء: أهمية إستراتيجية

يحقق رفع المواقع من اللائحة الحمراء جملة من الفوائد وفقاً لزيدان إذ يعيد لها قيمتها الدولية، مؤكداً وجود مقترحات لتسجيل مواقع جديدة كمعلولا، وطريق الحج المسيحي، كما تم مؤخراً تسجيل الجامع الأموي على لائحة التراث العربي بمؤتمر في بيروت.

مشاريع تأهيل ومذكرات تفاهم للنهوض بالقطاع الأثري السوري

وأوضح زيدان أن الاجتماعات والجولات التي أجرتها المديرية أثمرت مشاريع لتعزيز العمل، منها تدريب الكوادر، ومنح دراسية، وترميم عدد من المواقع الأثرية، وتوقيع اتفاقية مع منظمة ALIPH بقيمة خمسة ملايين دولار خصصت لموقع تدمر، وتوقيع مذكرات تفاهم لحماية المتاحف السورية، وإعادة عرض القطع الأثرية باستخدام تقنيات حديثة.

متاحف جديدة ومشاريع تطويرية شاملة

وبين زيدان أن المديرية تعمل حالياً على تفعيل عدة مشاريع، منها تأهيل الجناح الإسلامي في المتحف الوطني بدمشق بالشراكة مع دولة قطر، ومشروع “قصر العظم” بالتعاون مع اليونيسكو، ومشروع متحف حلب المتضرر من زلزال/2023/، إضافة إلى دورات تدريبية وأبحاث علمية متقدمة حيث تم التعاون مع جامعات وهيئات علمية لتقديم برامج ثلاثية الأبعاد، وتدريب كوادر على التصوير ورسم القطع الأثرية، وأوفدت المديرية كوادر إلى اليابان، كما جرى توقيع أكثر من 35 مذكرة تفاهم مع بعثات أثرية أجنبية.

عودة مشروطة لبعثات التنقيب

أشار زيدان إلى أن المديرية أعلنت أن العودة إلى التنقيب لن تتم قبل تأهيل المواقع، وإحصاء الأضرار، وتجهيز مراكز خدمية وزوار في المواقع الكبرى مثل أوغاريت، ماري، إيبلا، وتدمر، مع تجهيز متاحف ومواقع خاصة بكل منها.

مؤتمر دولي لحماية تدمر

وأكد زيدان أنه سيعقد قريباً في لبنان مؤتمر دولي حول تدمر، يضم جميع البعثات العاملة هناك بالتعاون مع “التحالف الدولي لحماية تدمر”، على أن تكون المديرية العامة للآثار والمتاحف الجهة العلمية المسؤولة عن إدارة المؤتمر.

متابعة ميدانية للواقع الأثري في المحافظات

وبين زيدان أن المديرية نفذت جولات داخلية في عدة محافظات، لمتابعة واقع العمل، وتأمين التجهيزات، حيث جرى إحصاء واقع المعدات والكوادر، التي تبين أنها شبه معدومة ورغم ذلك تم تأمين الحد الأدنى من المستلزمات والعمل على إستراتيجية عامة لعشر سنوات.

المجتمع هو الحارس الأول للتراث

أكد زيدان أن من يحمي التراث هو المجتمع، وليس فقط المديرية وأن إعادة الصلة بين المواطن السوري وتراثه ضرورة وطنية، وذلك عبر التوعية والتكامل بين الجهات الرسمية والمجتمع.

شراكة مع الكوادر العلمية الأثرية وصك التزام جديد مع البعثات الأجنبية

ووفقاً للدكتور زيدان تم تشكيل أكثر من عشر ورشات عمل، تضم مختصين في المتاحف، والمباني التاريخية، والمواقع الأثرية، ومهمتها تقديم رؤى وإستراتيجيات تطويرية شاملة، حيث تم إعداد صك جديد يلزم البعثات بنشر أبحاثها باللغتين العربية والأجنبية، وتدريب الكوادر المحلية، ووافقت أكثر من 35 بعثة على هذا الصك تمهيداً لعودتها للعمل بالمواقع السورية.

أرشفة وطنية موحدة للقطع الأثرية

تعمل المديرية حسب زيدان على أرشفة القطع الأثرية في المستودعات والمتاحف وربط المديريات ببعضها، وتوحيد المصطلحات الأثرية وتطوير قواعد البيانات بما يخدم الدقة البحثية والمؤسسية.

مشاريع ترميم وتخصصات أثرية جديدة بالجامعات السورية

وأكد زيدان أنه تقع على كاهل العاملين في القطاع مهمة المساهمة في تطويره، وابتكار آليات مواجهة الكوارث، وتطوير صناعة المتاحف سياحياً وإلكترونياً على المستوى الأكاديمي، ومن أجل ذلك تم تجهيز مخابر متخصصة في أقسام الآثار بالجامعات السورية، تعنى بالدراسات العظمية، الصوانية، والفترات الإسلامية، وما قبل التاريخ.

ملف استعادة القطع الأثرية المهربة: معركة قانونية طويلة

وأوضح زيدان أنه تم التواصل مع عدد من دول الجوار والهيئات الدولية، في ملف استعادة القطع الأثرية المهربة، لكن عملية الاستعادة تتطلب إثبات الهوية القانونية للقطع المهربة، وهذا جهد يحتاج تنسيقاً واسعاً.



إقرأ المزيد