البعث ميديا - 12/5/2024 12:27:14 PM - GMT (+2 )
خرقة حمراء بالية، تدلت ببلاهة ثمرة متعفنة عن واحد من جدران قلعة حلب العظيمة، شوهت بفجاجة –إلى حين- التاريخ الأقدم من التاريخ نفسه، الذي تحمله حجارة ذلك السور بشكل خاص والقلعة المهيبة الواقفة منذ الأبد فوق التل الحامل لراية “إله العاصفة” والذي يعود تاريخ استخدامه إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، أي قبل ظهور “العثماني” صاحب تلك الخرقة الحمراء بـ5000 عام فقط!
خرقة حمراء لا تحمل بين خيوطها الباهتة، إلا رائحة الدم والقتل وتخريب الحياة، ولا تعني شيئا لكل من يعرف أصحابها، إلا الاشمئزاز من التنافر المؤذي للنظر أولا، وللوجدان ثانيا، بين القيمة الفضلى للحضارات الكبرى التي مرت على تلك القلعة، واندثرت وهي باقية، وبين ما ترمز له تلك الخرقة، والتي لن يطول الوقت قبل أن نجعلها ممسحة لأحذية جنودنا الميامين، حراس تلك الحضارات، وصُناع الجديد منها.
خرقة حمراء بالية، هلل لها المرتزقة القادمون من مختلف أصقاع الأرض، ومعظمهم لا يعلم ما الفرق بين قيمة ذلك الصرح الواقف في وجه كل أنواع رياح الخراب التي حاولت النيل منه، وبين الصدأ!
مرتزقة بوجوه غربية، ولهجات أشد غرابة، تؤكد سحنهم ولهجاتهم، أنهم ليسوا إلا مرتزقة ولصوص، يرفعون راية من يدفع أكثر، ولا تعنيهم لا القلعة ولا المدينة، إلا بمقدار ما تعني الميت قارورة الأوكسجين!
المشهد المخزي للصوص والقتلة يسرحون كالدواب في أفنية قلعة حلب، والذي شاهده العالم منذ بضعة أيام، جعل قلوب السوريين تبكي دما، خصوصا وأنهم دفعوا الغالي والنفيس لتحرير حلب وقلعتها الشامخة، من براثن المرتزقة واللصوص من العثمانيين الجدد! أصاب العالم المتحضر الحر، بالغثيان والحزن، فالقلعة التي شهدت منذ بداية عصر الإسلام، نهضة حضارية واجتماعية وسياسية وثقافية، وعرفت على يد سيف الدولة الحمداني ، الذي حررها من الأخشيديين عام 944، نهضة حضارية شاملة، جعلتها منارة في الشرق كله وواحة آمنة وارفة الخيرات على طريق الحرير، وقبلة لطلاب العلم ولأهل الأدب والفلسفة من مختلف أصقاع الأرض، لا يمكن أن تختصرها وتختصر عراقتها خرقة حمراء بالية، مشبعة برائحة الدم والموت، ولا يمكن أن تحتمل دروبها التي مشى فيها بكل الفخر، المتنبي وأبي فراس الحمداني، وغيرهم من أهل الفكر والشعر، ذلك المرور المروع للقتلة والمرتزقة والإرهابيين، مهما طال الزمان أو قصر.
يقول الخالدي:
وخرقاء قد قامت على من يرومها
بمرقبها العالي وجانبها الصعب
يجر عليها الجو جيب غمامة
ويلبسها عقدا بأنجمه الشهب
إذا ما سرى برق بدت من خلاله
كما لاحت العذراء من خلال السحب
فكم من جنود قد أماتت بغصة
وذي سطوات قد أبانت على عقب
والبيت الأخير من القصيدة، فكم من جنود أماتت بغصة، لناظره قريب، فقلعة حلب عصية على الزمان، فكيف على المرتزقة واللصوص.
تمّام بركات
إقرأ المزيد